من خلف نوافذ بيته المحاط بالأسلاك الشائكة حمايةً من اعتداءات المستوطنين، يقف عبد الله أبو عواد يراقب جرافات الاحتلال وهي تلتهم ببطء ما تبقى من أرض عائلته الزراعية، وتقتلع أشجار الزيتون المعمّرة على أطراف سهل ترمسعيا المحاذي لمستوطنة شيلو شمال رام الله. وتستمر أعمال التجريف طوال النهار بوتيرة متسارعة، لتلحقها ليلاً استفزازات المستوطنين التي تستهدف عائلة "أبو عواد".
يقول عبد الله بقلق إن أعمال التجريف الجارية تهدف إلى توسعة المنطقة الصناعية في مستوطنة شيلو، لكنه يضيف أن الأخطر لم يبدأ بعد، في إشارة إلى مشروع شارع استيطاني جديد سيُقام بمحاذاة منزلهم، ليفصله تمامًا عن بلدة ترمسعيا، ويمتد من مدخل المستوطنة وصولًا إلى شارع "ألون" الاستيطاني.
الخطر الأكبر يهدد سهل ترمسعيا الذي تبلغ مساحته نحو 3400 دونم، وهو سهل زراعي تاريخي توقفت الزراعة فيه منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023
ويضيف أبو عواد، في حديثه لـ"الترا فلسطين"، أن هذا الطريق قائم منذ سنوات لكنه كان ترابيًا وغير معبّد إلا لمسافة قصيرة. وتضطر العائلة لقطعه يوميًا للوصول إلى منزلها عبر بوابة أقامها الاحتلال، في وقت يمنع فيه أي شخص آخر من زيارتهم.

ويشير إلى أن منزل العائلة يُعدّ "العقبة الأخيرة" أمام تمدد المستوطنين نحو سهل ترمسعيا، لذلك يسعى المستوطنون منذ سنوات لتهجيرهم بطرق متعددة، رغم أن المنزل مرخص منذ أواخر ستينيات القرن الماضي من الإدارة المدنية في مستوطنة بيت إيل.
ويرى أن هدف المستوطنين الأساسي اليوم هو "تنغيص حياتهم بشتى الطرق" لدفعهم نحو الهجرة، وهو ما ترفضه العائلة، وتسعى لمواجهة ذلك بشتى الطرق، من بينها رفع قضايا في المحاكم الإسرائيلية.
لكن أبو عواد أكد أن إقامة الشارع الجديد ستعزل المنزل بشكل كامل عن البلدة، كما ستؤدي إلى تجريف عشرات الدونمات الأخرى من أراضي العائلة الزراعية. فهذه الأراضي كانت تبلغ نحو 300 دونم، ولم يبق منها اليوم سوى حوالي 150 دونمًا مزروعة بأشجار الزيتون، تتعرض بدورها للتجريف اليومي.
الباحث في مركز أبحاث الأراضي، رائد موقدي، يقول إن الطريق الذي يجري العمل عليه وفق المخططات الإسرائيلية يأتي في إطار توسعة مستوطنة شيلو، وربطها بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية المقامة على أراضي ترمسعيا وقريوت وجالود والمغير، وصولًا إلى الطريق الالتفافي المعروف باسم "ألون".

ويوضح موقدي، في حوار مع "الترا فلسطين"، أن المشروع يهدف من جهة إلى توسيع مستوطنة شيلو، ومن جهة أخرى إلى فرض مخطط تنظيمي جديد عبر إنشاء طريق رابط بين شيلو والتجمعات الاستيطانية المجاورة لها وصولاً إلى شارع "ألون"، أي أن الشارع الجديد سوف يربط بين شارعي "60" وشارع "ألون".
ويشير إلى أن هذا الربط يشمل مستوطنات مثل "عميحاي" و"عادي عاد" و"يش قوديش"، بالإضافة إلى "عيليه" وغيرها من البؤر الاستيطانية المنتشرة في المنطقة.
ويحذر موقدي من أن الخطورة الأكبر في هذا الطريق تكمن في كونه يشكل "حزامًا استيطانيًا" يربط المستوطنات ببعضها، ويمهد في مرحلة لاحقة لتوسعتها وإقامة مجلس إقليمي موحد لها.
وفي حال تنفيذ هذا المخطط، يعني ذلك السيطرة على آلاف الدونمات الممتدة من شمال رام الله وحتى جنوب نابلس، وهو ما سيؤدي إلى عزل القرى والبلدات الفلسطينية، ويحدّ بشكل كبير من نموها الطبيعي.
ويشير الباحث إلى أن الأراضي التي ستتم مصادرتها لإقامة الطريق تشمل جزءًا من الأراضي المصنفة "دولة" وأراضي خاصة، وسيبلغ طول الطريق ما لا يقل عن 14 كيلومترًا. ويبدأ من مستوطنة شيلو، ويمر بأطراف سهل ترمسعيا ومنطقة "الظهرات" شمال شرق البلدة، وصولًا إلى مستوطنتي "عميحاي" و"عادي عاد"، مرورًا بالبؤر الرعوية المقامة في المغير وترمسعيا، وصولًا إلى طريق "ألون".

ويصف موقدي هذا المشروع بأنه "المرحلة الأولى نحو إقامة تكتل استيطاني"، باعتبار أن كل توسع استيطاني يبدأ عادةً بشق طريق.
كما يكشف أن المخططات المستقبلية تمتد إلى شمال بلدة سنجل، وتشمل توسعة المستوطنات والبؤر الاستيطانية، مثل "عيليه" و"معالية ليفونه" و"جفعات هارئيل" ومعسكر الجيش، عبر ربطها بطريق استيطاني يصل في النهاية إلى شارع "60" الذي يمر بمحاذاة شيلو.
بالإضافة إلى التوسع الاستيطاني، يؤكد موقدي أن الخطر الأكبر يهدد سهل ترمسعيا الذي تبلغ مساحته نحو 3400 دونم، وهو سهل زراعي تاريخي توقفت الزراعة فيه منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ويشير إلى أن الطريق سيمرّ على أطراف السهل وسيعزل جزءًا منه، كما سيتيح للمستوطنين سهولة الوصول إليه، في محاولة لفرض السيطرة عليه ومنع البناء أو الزراعة فيه. وبذلك سيتضرر السهل بشكل مباشر وغير مباشر من هذا المشروع.