Bisan

نازحو رفح بعد وقف إطلاق النار: المأساة لم تنتهِ

Soruce تقارير
نازحو رفح بعد وقف إطلاق النار: المأساة لم تنتهِ
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

لا يلمس النازحون من مدينة رفح أثرًا لاتفاق وقف إطلاق النار على حياتهم البائسة، حتى بعد مرور نحو 40 يومًا على دخوله حيز التنفيذ، فمعبر رفح ما زال مغلقًا، والمدينة صنفت داخل "الخط الأصفر"، ويقول النازحون منها إن الحرب بالنسبة لهم ما زالت مستمرة.

تشير التقديرات إلى أن 90% من خيام النازحين في رفح بالية ومتهالكة، ويقول النازحون: "نحن أهالي رفح لم نشعر بأي اتفاق لوقف إطلاق النار"

ولا يزال محمد النجار وأسرته (7 أفراد) يقيمون في خيمة متهالكة على بعد بضعة كيلومترات من منزله في "عزبة الندى" المتاخمة للحدود مع مصر في أقصى جنوب غربي مدينة رفح. يقول: "أنا كالسمك لا أعيش خارج البحر وخارج مدينة رفح".

عندما غادر النجار بيته كان يعتقد أن الأمر لن يطول أكثر من أيام حتى يعود إليه، "أما الآن فلست واثقًا إن كنت سأعود إليها مرة ثانية" أضاف، بينما كان منهمكًا في تثبيت أركان خيمته، التي لا يبدو أنها ستصمد طويلاً في مواجهة رياح الشتاء المرتقب وأمطاره، خصوصًا بعدما تسبب المنخفض الأول قبل أيام في اقتلاع الكثير من خيام النازحين وغرق أخرى.

نازحو غزة
وفقًا للتقديرات، فإن 90% من خيام النازحين في رفح بالية ومتهالكة

ويعدُّ النجار نفسه والنازحين من رفح "الأسوأ حظًا والأكثر مأساوية" بين النازحين في غزة، ويقول: "نحن أهالي رفح لم نشعر بأي اتفاق لوقف إطلاق النار، ولم نعد لمدينتنا في أي اتفاق".

ووفق هيئات رسمية فإن محافظة رفح هي الأصغر من حيث المساحة وعدد السكان من بين محافظات القطاع الخمس، وتصنفها بلديتها بأنها "منكوبة"، جراء حجم التدمير الهائل، الذي تسببت به آلة التدمير الإسرائيلية.

وعلى مدار الساعة تسمع أصوات انفجارات ضخمة ناجمة عن عمليات نسف لمنازل ومبان في هذه المدينة، ومعها يزداد شعور النجار بأن "الاحتلال يعدم كل فرصة للحياة في مدينة رفح".

ومنذ الأيام الأولى للإبادة، خسر النجار مركب الصيد الصغير الذي كان مصدر رزقه الوحيد، نتيجة استهداف الزوارق الحربية الإسرائيلية لميناء الصيادين ومراكب الصيد، والآن لم يعد يملك إلا هذه الخيمة، "فقد دُمرت منازلنا ومراكبنا ومصادر رزقنا (..) وربما فجأة لا نجد حتى هذه الخيمة وسط هذا الطقس الصعب".

حياة بائسة

وبجوار الخيمة كانت زوجة النجار تحاول جاهدة إشعال النار بالقليل من الخشب والأوراق وقطع النايلون من أجل إعداد الشاي ووجبة الإفطار لأسرتها وأطفالها. تقول: "والله هذه مش حياة. إلى متى سنبقى على هذا الحال؟".

وتوضح أنها وأسرتها خرجوا من رفح بملابسهم فقط، وخسرت الأسرة منزلها وكل ما تملك، "وها قد مرت سنة ونصف في هذا البؤس والشقاء"، مؤكدة أن فترة النزوح الطويلة أصابتها باليأس، وأثرت على صحتها نفسيًا وجسديًا.

نازحو رفح
يحتاج نازحو رفح إلى 50 ألف خيمة و100 ألف شادر بصورة عاجلة

وتشير هيئات محلية ودولية إلى النساء والأطفال والمرضى وكبار السن كفئات هشة هي الأكثر معاناة جراء الحرب وتداعياتها كالنزوح والتجويع.

ويعاني أحد أطفال النجار من مرض مزمن، وتقول إنها تعاني من أجل توفير العلاج له، مشيرة إلى أن فصل الشتاء يحمل معه معاناة مضاعفة، إذ لا يتوفر لديها وأسرتها أغطية كافية وملابس شتوية.

وبالنسبة لهذه الأم فإن "الحرب لم تتوقف بعد"، ورغم أن معدلات القتل بنيران الاحتلال قد انخفضت، إلا أنها لا تأمن على نفسها وأسرتها من "الموت بأشكال مختلفة"، وتضيف: "نحن نموت من البرد والمطر والمرض، ونشعر بالموت يتربص بنا في كل لحظة وفي كل تفاصيل حياتنا".

لم يبق من رفح شيء

ويصنف الاحتلال مدينة رفح ضمن مناطق ما يعرف بـ "الخط الأصفر"، الذي يقتضم أكثر من 53% من المساحة الإجمالية للقطاع، ويُمنع بموجب ذلك عودة زهاء 300 ألف نسمة إلى المدينة.

وخلال فترة اتفاق وقف إطلاق النار، التي استمرت من 19 كانون الثاني/ يناير الماضي وحتى خرق الاحتلال للاتفاق وانهياره في 18 آذار/ مارس الماضي، قدرت بلدية رفح نسبة الدمار في المدينة بأنها تتجاوز 80%، فيما يرجح رئيس البلدية المهندس أحمد الصوفي أن عمليات النسف اليومية دمرت ما تبقى من منازلها ومبانيها وبنيتها التحتية.

ويحذر الصوفي في حديثه لـ "الترا فلسطين" من "كارثة إنسانية وشيكة" تحدق بنازحي رفح في الخيام المهترئة، المقامة في مناطق غير مؤهلة من حيث البنية التحتية، لمواجهة فصل الشتاء، خاصة تلك المتاخمة للشريط الساحلي.

ويقدر الصوفي أن 90% من خيام النازحين في رفح بالية ومتهالكة، وقد تنقل بها كثير منهم من مكان إلى آخر على مدار 18 شهرًا من النزوح المرير، ويقول: "نحن بحاجة ماسة إلى 50 ألف خيمة، إضافة إلى 100 ألف شادر، بصورة فورية".

المهندس أحمد الصوفي
المهندس أحمد الصوفي، رئيس بلدية رفح

كما أن الأجواء الشتوية القاسية تتطلب سرعة توفير أغطية وملابس شتوية لتوزيعها فورًا على أسر رفح النازحة. ووفقًا للصوفي فإن "الوضع الإنساني يفوق قدرة أي جهد محلي على الاستجابة، والاحتياجات تتضاعف مع كل يوم تأخير". ولذلك فقد أطلق نداء استغاثة للمنظمات والمؤسسات الإنسانية للتحرك العاجل "قبل أن يتحول الشتاء إلى فصل موت".

نازحو رفح بحاجة ماسة إلى 50 ألف خيمة، إضافة إلى 100 ألف شادر بصورة فورية

وأسوة بباقي بلديات قطاع غزة، تعاني بلدية رفح من تدني الإمكانيات المتاحة لديها، نتيجة القيود التي تفرضها قوات الاحتلال على إدخال الآليات الثقيلة والمعدات اللازمة للتعامل مع تداعيات الحرب، وإصلاح البنية التحتية المدمرة.

ومنذ اندلاع حرب الإبادة استشهد 6 من موظفي البلدية وأفراد طواقمها الميدانية، من بينهم شهيد من أعضاء المجلس البلدي، وفقًا للصوفي.