قال محمد الهريني، محامي محمود العدرة، في تصريحاتٍ لـ"الترا فلسطين"، إنه يرجّح عدم تسليم العدرة للسلطات الفرنسية، "لأن الشروط القانونية غير متوفرة". وجاءت تصريحاته بعد حديث الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في مقابلة مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية يوم أمس، عن تسليم العدرة، قال فيها إن "الإجراءات القانونية المتعلقة بالتسليم وصلت إلى مرحلتها النهائية، ولم يتبقَّ سوى بعض التفاصيل الفنية التي تتعامل معها السلطات المختصة في كلا البلدين".
وأشارت الصحف الفرنسية إلى أن عباس وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتسليم محمود العدرة أو هشام حرب للسلطات الفرنسية، التي تتهم العدرة بالمشاركة في هجوم على مطعم يهودي في العاصمة باريس عام 1982، عُرف باسم هجوم شارع روزييه، وأسفر عن مقتل ستة أشخاص.
من الجانب الفرنسي، أكد قصر الإليزيه يوم الإثنين عدم وجود "مشكلة قانونية" تعيق التسليم، بل "مسألة جدوى العملية". وأوضحت الرئاسة الفرنسية أن باريس تواصل تعاونها الفعّال مع السلطة الفلسطينية لإتمام عملية التسليم في أسرع وقت ممكن.
عائلة محمود العدرة لـ"الترا فلسطين": بعد 45 يومًا من اعتقاله وخضوعه لخمس جلسات محاكمة، لم يصل أي ملف اتهام من فرنسا بشأن التهم الموجهة إليه أو الأدلة ضده، وكل ما لدينا فقط هو مذكرة توقيف صادرة عن الإنتربول
وأوضح الهريني أن ترحيل موكله قانونيًا غير ممكن لعدة أسباب قانونية، موضحًا: "أولًا: القانون الفلسطيني لا يسمح بترحيل من يحمل الجنسية الفلسطينية. ثانيًا: العدرة لا يحمل جنسية الدولة الفرنسية، ولا يُعتبر من الرعايا الأجانب المقيمين على أراضي السلطة الفلسطينية. ثالثًا: لا توجد اتفاقية بين السلطة الفلسطينية وفرنسا تُنظّم عملية تسليم المتهمين. ورابعًا: هناك قانون تسليم الأفراد المجرمين ضمن القانون البريطاني لعام 1927، وهو لا يتوافق مع القانون الأساسي الفلسطيني بل يتعارض معه، كما أن القانون البريطاني تم إلغاؤه".
وأضاف الهريني لـ"الترا فلسطين"، أنه "لا يمكن أن نتصور أن السلطة تُحاكم الثورة الفلسطينية عبر ملفات الإنتربول، استنادًا إلى طلبات من دولٍ خارجة عن الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية، فهذا مؤشر خطير يجعل النضال الفلسطيني وحقه في تقرير المصير عُرضة للمساءلة والملاحقة الدولية".
وأشار إلى أن "محمود العدرة يمثل أمام محكمة صلح رام الله بناءً على طلب استرداد تقدّم به الإنتربول، وتبحث المحكمة ما إذا كانت تتوافر الشروط القانونية لتسليمه كمتهم عبر مذكرة الإنتربول للجهات القضائية الفرنسية أم لا".
وحول الجهة التي تمثل طلب الاسترداد أمام المحكمة، قال الهريني: "الجهة التي تمثل الطلب هي نيابة الإنتربول الفلسطينية، وهي المكلفة بالنظر في الملف أمام القضاء الفلسطيني". وأضاف: "اليوم كانت هناك جلسة أمام محكمة صلح رام الله، وتم تأجيلها حتى 25 تشرين الثاني/نوفمبر".
وقالت عائلة محمود العدرة لـ"الترا فلسطين" إنها تعتقد أن سبب تأجيل الجلسة يعود إلى انتظار عودة الرئيس محمود عباس إلى البلاد، بعد جولة أوروبية شملت زيارة إيطاليا وفرنسا.
وتابعت العائلة، التي تحفظت على نشر أسماء أفرادها، أنه "منذ لحظة اعتقاله في 19 أيلول/سبتمبر من قبل الشرطة الفلسطينية، لم يتم أخذ أي إفادة من العدرة أو التحقيق معه حتى هذه اللحظة".
وأضافت العائلة: "أنهى العدرة جرعات العلاج الكيماوي قبل اعتقاله بنحو شهر، وهو حاليًا ينتظر العلاج الإشعاعي، علمًا أن مناعته ضعيفة جدًا، وهو الآن موقوف في نظارة البالوع التابعة للشرطة الفلسطينية".
وفي الأيام الأولى لاعتقاله، نُقل العدرة إلى المستشفى الاستشاري في رام الله، حيث كان يعاني من مضاعفات في القلب، إضافةً إلى تداعيات مرض سرطان المثانة الذي يعاني منه.
ووفق العائلة، مدّدت المحكمة اليوم توقيف العدرة لمدة 12 يومًا، رغم وجود مؤشرات سابقة على إمكانية إخلاء سبيله بسبب حالته الصحية وعمره، لكن التأجيل جاء، بحسب العائلة، "بسبب التصريحات السياسية التي أدلى بها الرئيس محمود عباس من فرنسا حول قرب تسليمه للسلطات الفرنسية". وأكدت العائلة أن "النيابة أبلغتنا اليوم أنها ليست معنية بالتصريحات الإعلامية ولا بالصحافة".
وأضافت العائلة: "بعد 45 يومًا من اعتقاله وخضوعه لخمس جلسات محاكمة، لم يصل أي ملف اتهام من فرنسا بشأن التهم الموجهة إليه أو الأدلة ضده، وكل ما لدينا فقط هو مذكرة توقيف صادرة عن الإنتربول".
وتابعت: "نستغرب تصريحات الرئيس محمود عباس في فرنسا التي قال فيها إن الإطار القانوني في مراحله الأخيرة لتسليم العدرة، بينما حتى الآن لم يتم استجواب العدرة ولا التحقيق معه من قبل النيابة أو القضاء الفلسطيني".
ووفق مصادر "الترا فلسطين"، فإن محمود العدرة هو عقيد متقاعد من جهاز المخابرات العامة، كان سابقًا عضوًا في تنظيم أبو نضال، وعاد مع الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى قطاع غزة بعد أن تم تسوية أموره مثل مئات العناصر بعد توقيع اتفاقية أوسلو، من ثم انتقل للعيش إلى الضفة الغربية مع عائلته، لكن كان ممنوعًا من السفر.
وفي 19 أيلول/سبتمبر، أعلن القضاء الفرنسي أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية أوقفت في الضفة الغربية محمود خضر عبد العدرة، المعروف باسم هشام حرب، أحد المتهمين في تنفيذ هجوم شارع "روزييه".
وحينها، ورحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بهذا التطور، مشيدًا بـ"التعاون الممتاز مع السلطة الفلسطينية"، مؤكدًا أن باريس تعمل مع رام الله من أجل تسليم سريع للمشتبه به. وأضاف ماكرون أن هذا الاعتقال، بعد مرور 43 عامًا على الهجوم، يُمثل "خطوة إضافية نحو الحق والعدالة".
ويعود الهجوم الذي يلاحق عليه العدرة، إلى تاريخ 9 آب/أغسطس 1982، حين ألقى مسلحون قنابل يدوية وأطلقوا النار على مطعم يهودي في الحي الرابع بباريس، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 22 آخرين. وقد وجّهت أصابع الاتهام آنذاك إلى منظمة "أبو نضال"، التي كانت تطلق على نفسها "فتح- المجلس الثوري"، والتي نفذت عمليات اغتيال ضد شخصيات فلسطينية في معظم هجماتها.
وقبل نحو 10 سنوات، اعتقلت السلطات الأردنية مَن وُصف بـ"العقل المدبر" للهجوم، زهير محمد حسن خالد العباسي (62 عامًا) المعروف باسم أمجد عطا، فيما تم الإفراج عنه لاحقًا في كفالة. وفي أيلول/سبتمبر 2020، اعتقلت السلطات النرويجية، وليد عبد الرحمن أبو زيد، المعروف باسم سهيل عثمان، الذي كان يقيم في النرويج منذ عام 1991، ويحمل مواطنتها، بعد 5 أعوام من صدور طلب فرنسي بتسليم أبو زيد إلى باريس.