لم تعد محاولات العمّال الفلسطينيين في العبور من الضفة الغربية إلى الخط الأخضر والقدس بحثًا عن فرصة عمل، مجرّد مخاطرة معروفة لطالبي الرزق، بل تحوّلت خلال الأشهر الأخيرة إلى رحلة محفوفة بالكمائن العسكرية، وإطلاق النار المباشر، وتزايد في الإصابات الخطيرة، وصولًا إلى القتل.
خلال الشهرين الأخيرين لا يكاد يمر يوم دون إصابات ناجمة عن السقوط عن الجدار، أو إطلاق النار، أو اعتداءات بالضرب قبل أو بعد محاولة اجتياز الجدار
م. خ (22 عامًا)، عامل من بلدة سنجل شمال رام الله، يروي تفاصيل محاولته للوصول إلى ورشة البناء التي يعمل فيها في بيت حنينا شمالي القدس، قبل أن يتحول الأمر إلى مطاردة عسكرية انتهت بكسور وتمزق في الأربطة.
يقول العامل الذي طلب إخفاء هويته لأسباب أمنية: "حاولت مع مجموعة من الشبان اجتياز الجدار في بلدة الرام بعد منتصف الليل، وتمكّنا من القفز عن الجدار باتجاه ضاحية البريد، لكن قوات الاحتلال كانت قد نصبت كمينًا لنا، وأطلقت النار بهدف القتل أو الإصابة. ركضنا بين المنازل، وأثناء الهروب سقطت على الأرض وتكسرت قدمي".
تمكن الشاب من الاختباء، قبل أن يتوقف أحد شبّان المنطقة بسيارته لمساعدته ونقله عبر حاجز قلنديا إلى داخل الضفة. ومن هناك، نقل إلى مجمع فلسطين الطبي برام الله، لكن غياب طبيب العظام المناوب خلال ساعات الفجر اضطره إلى الذهاب إلى مركز طبي خاص والعلاج على حسابه، حيث تبيّن وجود كسر وتمزق في الأربطة، وتم وضع الجبس لقدمه لمدة شهر ونصف.
ويضيف الشاب أن "البطالة الطويلة والحاجة إلى العمل" كانا دافعه لخوض هذه المغامرة الكبيرة، مبينًا أن محاولاته للحصول على عمل في الضفة لم يُكتب لها النجاح، "وعائلتي لا تستطيع الإنفاق علي". ويؤكد أنه خاض هذه المغامرة التي كادت تودي بحياته "مضطرًا ولم يكن مخيَّرًا".
إصابات يومية ونزيف حتى الموت
يؤكد مدير الإسعاف والطوارئ في الهلال الأحمر برام الله، إبراهيم الغولة، أنه خلال الشهرين الأخيرين لا يكاد يمر يوم دون إصابات ناجمة عن السقوط عن الجدار، أو إطلاق النار، أو اعتداءات بالضرب قبل أو بعد محاولة اجتياز الجدار.
ويوضح الغولة لـ"الترا فلسطين" أن الرصاص غالبًا ما يُطلق على الأطراف السفلية، "لكن التأخير، لأسباب خارجة عن الإرادة، في وصول الطواقم الطبية لبعض الحالات قد يؤدي إلى تدهور الحالة بشكل خطير، وقد سبق أن نزفت بعض الحالات بسبب إصابة في الأوعية الدموية، ما أدى إلى استشهاد بعضهم، أو تطور حالتهم إلى جروح خطيرة".
أما الإصابات التي تحدث خلف الجدار، أي داخل الخط الأخضر، فيتم احتجاز المصابين ساعات طويلة، وقد يحصلون على الإسعاف الأولي من الجنود أو طواقم الهلال الأحمر في القدس. وفي بعض الحالات يُعتقل الشبان، أو يتم تسليمهم لاحقًا للهلال الأحمر عند حاجز قلنديا، بحسب الغولة.
وبيَّن أن أعمار المصابين الذين تتعامل معهم طواقم الهلال الأحمر تتراوح بين العشرينات وحتى الستينات، مشيرًا إلى حالة المواطن سليم راجي الفار (57 عامًا) من الزبابدة، الذي استشهد قبل نحو شهر بعد إصابته بجلطة أثناء احتجازه من الجنود على الجدار في الرام.
لا بدائل أمام العمال
ويقول أمين عام اتحاد نقابات عمال فلسطين، شاهر سعد، إن ما يجري "تصعيد خطير يتجاوز الإصابات الفردية"، مضيفًا أن إطلاق النار على العمّال جزء من سياسة ممنهجة للضغط وتقليص أعداد من يحاولون العمل داخل الخط الأخضر.
وأوضح سعد لـ"الترا فلسطين" أن 64 عاملاً استشهدوا منذ بداية الحرب على غزة، منهم نحو 40 عاملاً منذ مطلع العام 2025.
64 عاملاً استشهدوا منذ بداية الحرب على غزة، منهم نحو 40 عاملاً منذ مطلع العام 2025. وهناك أكثر من 3 آلاف إصابة موثقة خلال العامين الماضيين
وبين سعد أن هناك أكثر من 3 آلاف إصابة موثقة خلال العامين الماضيين، مؤكدًا أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير، فضلاً عن اعتقال نحو 32 ألف عامل خلال العامين الماضيين.
وأشار إلى أن من كان يعتمد على العمل داخل الخط الأخضر باتوا جميعًا متعطلين عن العمل منذ عامين، والبدائل غائبة، أما البرامج الحكومية فلا تغطي أكثر من 3% من البطالة. ويلخص القصة بقوله: "العامل يعرف حجم المخاطرة، لكنه مضطر لإطعام عائلته".