Bisan

الإعمار الشعبي في غزة: طريق للحياة محفوف بتحديات ومخاطر

Soruce تقارير
الإعمار الشعبي في غزة: طريق للحياة محفوف بتحديات ومخاطر
دعاء شاهين

دعاء شاهين

صحافية من غزة

"لا أستطيع انتظار وعود الإعمار". قالها رمزي يوسف (48 عامًا) لنا وهو يقف على أنقاض منزله المدمّر جزئيًا، حاملاً مطرقة في يد وحجرًا في يده الأخرى، مبينًا أنه، منذ اللحظات الأولى لإعلان وقف إطلاق النار وانسحاب جيش الاحتلال من حي النصر غرب مدينة غزة، عاد إلى المنزل لطيّ شهور طويلة من النزوح في مواصي خان يونس.

"إصلاح ما تبقّى من المنزل مكلف جدًا، من إزالة الركام إلى ترميم الجدران المتصدّعة، عدا عن أنه لا يوجد سلم، ولا أبواب، ولا نوافذ، ولا أثاث. فالمنزل خالٍ تمامًا من كل شيء، ومع ذلك أشعر أنه ما زال لي وطنٌ صغير أعود إليه"

يوضح رمزي يوسف أنه بدأ بإصلاح ما يستطيع إصلاحه، "حجرًا فوق حجر، لأن الأهم بالنسبة لي أن أشعر بأن لي بيتًا يؤويني". قبل أن يشير إلى أكوام الحجارة المبعثرة حوله، وقد حوّلها بجهده إلى مواد بناء: "قمت بتكسير الحجارة الكبيرة وتحويلها إلى قطع صغيرة من الحصى، ثم خلطتها واستخدمتها في بناء الجدران المهدّمة. أعمل على إعادة إعمار غرفتين على الأقل، إلى جانب المطبخ والحمّام، أما الأجزاء المتبقية من المنزل فأغطيها بالنايلون مؤقتًا. نحن فقط نريد أن نعيش".

ويضيف رمزي: "الآن أستطيع أن أُسند ظهري إلى جدار حقيقي بدل قطعة قماش بالية كما في الخيمة. الحياة في المخيمات كانت قاسية جدًا ومريرة"، مؤكدًا أن "إصلاح ما تبقّى من المنزل مكلف جدًا، من إزالة الركام إلى ترميم الجدران المتصدّعة، عدا عن أنه لا يوجد سلم، ولا أبواب، ولا نوافذ، ولا أثاث. فالمنزل خالٍ تمامًا من كل شيء، ومع ذلك أشعر أنه ما زال لي وطنٌ صغير أعود إليه".

ويرى رمزي أنه محظوظ بأن منزله لم يُدمّر كليًا، "طالما أن أعمدة المنزل ما زالت قائمة وسقف المنزل وأرضيته بخير، فهذا يعني أن بإمكاني أن أصحو وأنام بحرية، محافظًا على خصوصيتي في بيتي مع أبنائي الخمسة وزوجتي"، كما يقول.

حفر بالمطرقة واليد

المشهد ذاته يتكرر في مناطق عدة من غزة: رجال ونساء، كبار وصغار، يعملون معًا لترميم ما يمكن ترميمه، مستخدمين مواد محلية بسيطة، بقايا إسمنت وحديد وسقوف معدنية تم إنقاذها من الدمار.

فمع انسداد أفق الإعمار لدى الغزّيين، خاصة أولئك الذين جرّبوا مرارة تدمير منازلهم في حروب سابقة وظلّوا ينتظرون وعودًا لم تتحقق، اختار كثيرون أن يبنوا بأيديهم بدل الانتظار. فكان الإعمار الشعبي فعل مقاومة يومية ضد الدمار واليأس، فيما تنشط مبادرات شبابية تطوعية في إزالة الركام وتنظيف الأحياء، استكمالًا للإعمار الشعبي.

وقدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة بنحو 70 مليار دولار، في ظل حجم الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب. وقال مدير البرنامج جاكو سيليرز، خلال مؤتمر صحفي في جنيف، إن التقديرات تشير إلى وجود ما لا يقل عن 55 مليون طن من الركام في القطاع، ما يجعل عملية الإعمار واحدة من أضخم المهام الإنسانية وإعادة البناء في العالم.

في مدينة حمد السكنية جنوب خان يونس، تحوّل أحد البيوت متصدعة الجدران إلى ورشة جماعية، حيث الجيران يساعدون بعضهم البعض في إعادة تركيب الأبواب والنوافذ من الأخشاب وقطع النايلون السميك.

تقول وداد جبارة (38 عامًا)، التي عادت مع أفراد عائلتها الثمانية إلى بيتها المحروق جزئيًا: "منذ عام ونحن في مخيمات النزوح في دير البلح، والآن عدنا إلى بيتنا. فرغم انعدام أي مقومات للحياة من ماء وكهرباء، كما أن المنزل محروق ولم يتبقَّ منه سوى جدران مثقوبة من الرصاص والقذائف، إلا أننا وجدنا كرامتنا فيه". وتضيف: "ما ظلّ إلنا غير هالدار. حتى لو مدمّرة ومحروقة فهي أغلى من خيمة".

بدأت عائلة وداد رحلة الإعمار الشعبي بأيديهم في إمكانات شبه معدومة، إذ تولّت النساء مهمة تنظيف الركام وإزالته من المنزل، فيما تولّى الشبان مهمة تعديل قضبان الحديد المحنيّة ليعيدوا استخدامها في تدعيم الجدران، أما الأب فتولّى خلط الإسمنت بيديه في دلاء صغيرة ليبنوا بها غرفة تلو الأخرى. تتابع وداد: "كل يوم بنبني حجر، وبنحس إننا بنرجع للحياة شوي شوي".

لم يكن العمل سهلًا، فالمواد باهظة ولا مساعدات تصل، لكن الجيران يمدون لبعضهم يد العون: أحدهم يعطي لهم بابًا قديمًا، وآخر يتشارك معهم سلّمًا خشبيًا، فيما يغطّون الأجزاء المهدّمة من البيت بالنايلون والخشب لتقيها البرد والمطر.

وبينما كانت وداد تعطي والدها كوب شاي أعدّته على نيران الحطب بعد استراحة قصيرة من رحلة الإعمار، مد يده لها قائلاً: "ما بدنا نستنى إعمار ولا منحة، هذا تعبنا وإيدينا. يمكن البيت ما رجع متل قبل، بس فيه روح".

تحديات ومخاطر

وبحسب ما نشرت وكالة "الأونروا" في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2025، فإن 61 مليون طن من الأنقاض تغطي قطاع غزة بعد عامين من الحرب، مؤكدة أن أحياء بأكملها مُحيت من الوجود.

بينما تشير بيانات مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية إلى تضرر نحو 83% من مباني مدينة غزة حتى 23 أيلول/سبتمبر، وأن نحو 40% منها دُمّر بالكامل.

ويؤكد المهندس عاصم النبيه، الناطق باسم بلدية غزة، أن إزالة الركام وإعادة البناء تواجه صعوبات كبيرة، فهي تتطلب معدات ثقيلة وقطع صيانة للمولدات والمحولات، في حين أن الاحتلال يواصل منع إدخال حتى المواد الأساسية وليس فقط هذه المعدات.

وقال النبيه: "أمام هذا الواقع، فإن الخيارات أمام المواطنين محدودة جدًا، والمعاناة قد تستمر طالما لم يتم السماح بإدخال المعدات الثقيلة، فتكلفة إزالة الركام ذاتيًا عالية جدًا ولا يوجد معدات".

وأضاف النبيه أن الإعمار الشعبي ظهر "كحل اضطراري وأداة لإدارة الأزمة"، إذ بدأت العائلات بإعادة ترميم ما تستطيع من منازلها مستخدمة الحجارة والحديد والأخشاب المتاحة، بالتعاون مع الجيران والجمعيات المحلية.

 يحذر عاصم النبيه من التحديات الكبيرة التي ترافق الإعمار الشعبي، أبرزها ضعف السلامة الإنشائية في المنازل المرمّمة، ما يجعلها عرضة للسقوط، إلى جانب غياب الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي

ويرى النبيه أن "الإعمار الشعبي هو أداة من أدوات الوعي المجتمعي بالاعتماد على الذات، وقد تحوّل في غزة من فعل اضطراري إلى حركة اجتماعية تعبّر عن الصمود وإرادة الحياة".

ومع ذلك، يحذر عاصم النبيه من التحديات الكبيرة التي ترافق الإعمار الشعبي، أبرزها ضعف السلامة الإنشائية في المنازل المرمّمة، ما يجعلها عرضة للسقوط، إلى جانب غياب الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي، ما يحدّ من استمرارية هذه الجهود دون دعم هندسي وموارد إضافية.

وينصح النبيه الأهالي العائدين إلى منازلهم المدمّرة جزئيًا بعرضها على مهندس معماري أو مختصّين من جهات حكومية رسمية، لتقييم مدى صلاحية العيش فيها، حفاظًا على حياتهم وحياة الجيران والعائلة.