Bisan

وثائق تحت الأنقاض… الغزيون بلا شهادات وأوراق ثبوتية

Soruce تقارير
وثائق تحت الأنقاض… الغزيون بلا شهادات وأوراق ثبوتية
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي توشك على إتمام عامها الثاني على التوالي، وجوه كثيرة من الألم والمعاناة؛ وفيما نيرانها تحصد أرواح الغزيين وتدمر حاضرهم، فإنها تفتك بأحلامهم وتضع معوقات أمام مساعيهم نحو الحياة والمستقبل.

تسببَ الدمار الهائل الذي أحدثته آلة القتل والتدمير الإسرائيلية في ضياع الوثائق والشهادات 

ومن بين أزمات كثيرة لا تنتهي، تولَّدت مع اندلاع الحرب على غزة عقب السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام 2023، تبرز معاناة آلاف الطلبة والمواطنين في استخراج الوثائق الرسمية والشهادات الدراسية، سواء الثانوية العامة (التوجيهي) أو الجامعية، التي تساعدهم على التقدّم للوظائف والمنح الدراسية.

وتسببَ الدمار الهائل الذي أحدثته آلة القتل والتدمير الإسرائيلية في المنازل السكنية والمدارس والجامعات، وفي المقار الرئيسية والمديريات التابعة لوزارة التربية والتعليم في محافظات القطاع، في ضياع الوثائق والشهادات وتعطيل العمل على استخراج بدل فاقد لها.

مستقبل ضبابي

في اليوم الثالث لاندلاع الحرب، أغارت مقاتلات حربية إسرائيلية على منزل الطالب سهيل يحيى (26 عامًا) في مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع، ودمرته كليًا وحولته إلى أثرٍ بعد عين. ويقول لـ"الترا فلسطين": "خرجنا من المنزل بملابسنا التي نرتديها، وفقدنا كل شيء: وثائقنا الرسمية وشهاداتنا الدراسية، وحتى الذكريات وأيامنا الجميلة".

ورغم مرارة النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، نجح يحيى في تجاوز معوقات كثيرة، وتمكّن من التخرج من جامعة الأزهر وحصل على شهادة البكالوريوس في تخصص التغذية الإكلينيكية.

لكن يحيى لم يحصل حتى اللحظة على شهادته الجامعية. ويقول: "أنهيت دراستي الجامعية عن بُعد، رغم أزمة عدم توفر الكهرباء وتردي خدمات الإنترنت، ولم أحصل على الشهادة من أجل مواصلة طريقي في الحياة وبناء مستقبلي".

ويواجه يحيى، النازح حاليًا مع أسرته في خيمة بمدينة دير البلح وسط القطاع، مصيرًا مجهولًا، ويشعر بحزن عميق لعدم امتلاكه الوثائق والشهادات التي تساعده على التقدّم لمنح دراسية في الخارج من أجل استكمال مسيرته التعليمية، فقد دفنتها الغارة الجوية الإسرائيلية تحت أنقاض منزله المدمر.

وفي ظل واقع معيشي متردٍّ، وجد نفسه مضطرًا لفتح بسطة تجارية صغيرة قرب الخيمة، من أجل كسب القليل من المال الذي يساعده على توفير احتياجات أسرته، ويتساءل بمرارة: "هل هذا مصير طالب جامعي طموح؟! ولكنها الحرب المجنونة التي لا ترحم، ولا ندري متى سينتهي هذا الكابوس ونستعيد حياتنا المفقودة".

شهادات تحت الأنقاض

وبسبب توقف المقر المركزي لوزارة التربية والتعليم في مدينة غزة عن العمل، لم تتمكن الطالبة نور عبد الهادي من استخراج بدل فاقد لشهادة الثانوية العامة (التوجيهي)، التي فقدتها مع ملابسها وباقي مقتنيات أسرتها تحت أنقاض منزلها المدمر في حي الأمل بمدينة خانيونس جنوب القطاع.

نور (21 عامًا) نازحة حاليًا مع أسرتها في مخيم النصيرات للاجئين وسط القطاع، وتقول لـ"الترا فلسطين" إن مديرية التربية والتعليم في مدينة خانيونس متوقفة عن العمل بسبب أوامر الإخلاء الإسرائيلية الواسعة التي تشمل أكثر من 90% من المدينة، والتي يتكدس فيها مئات آلاف من سكانها والنازحين في منطقة المواصي وسط ظروف مأساوية.

وعلى غرار مديرية التربية والتعليم في خانيونس، توقفت أغلبية المديريات في محافظات القطاع، سواء بسبب الاستهداف الإسرائيلي المباشر والتدمير، أو نتيجة وقوعها في مناطق حمراء تشملها أوامر الإخلاء.

وتوضح نور أن مديريات قليلة لا تزال تعمل في بعض مناطق القطاع، منها مديرية التعليم في النصيرات، وتمنح هذه المديريات الطالب إفادة مؤقتة بدلًا عن الشهادة الرسمية تفيد بنجاحه في التوجيهي، لكن هذه الإفادة لا تغني عن الشهادة في حال التقدّم لمنحة دراسية أو وظيفة.

مؤسسات منهارة

ويؤكد مسؤول في وزارة التربية والتعليم لـ"الترا فلسطين"، أن واقع العمل الإداري معقّد للغاية بسبب تداعيات الحرب والتدمير الهائل الذي أصاب الوزارة بمرافقها ومقارها ومديرياتها، وهو ما يندرج في سياق الاستهداف الممنهج من جانب الاحتلال بهدف تعطيل كل مفاصل الحياة في غزة والتضييق على السكان وقتل كل فرص العيش والبقاء.

ويقول مدير قسم التقنيات التربوية في الوزارة والناطق باسمها مجدي برهوم لـ"الترا فلسطين"، إن الإفادات التي تمنحها بعض المديريات التي لا تزال تعمل جزئيًا في بعض مناطق القطاع تفيد الطالب في المعاملات المحلية داخل القطاع، ولكنها لا تغني عن الشهادات الأصلية في أي معاملات خارجية، بما فيها المنح والوظائف.

وأكد أن عمليات القصف والاستهداف الممنهجة منذ اندلاع الحرب تسبّبت في تدمير مقدرات الوزارة وإلحاق الضرر بالنظام الإلكتروني، وفقدان متطلبات إصدار الشهادات من أوراق وأختام.

ولا يقتصر ذلك على قطاع التعليم، بل ينسحب على مختلف الهيئات والمؤسسات الرسمية التي تضرر نظامها الإلكتروني وتعطلت مقارها الرسمية جراء التدمير والإخلاء، ولم تعد قادرة على استخراج وثائق رسمية للمواطنين، وأهمها بطاقات الهوية الشخصية.

ويقول محمد جلود لـ"الترا فلسطين" إنه فقد بطاقة هويته الشخصية خلال رحلة النزوح الأخيرة في يونيو/حزيران الماضي من منطقة البلد في خان يونس إلى المواصي، وتوجه لمقر مؤقت للشق المدني في وزارة الداخلية للحصول على بدل فاقد، لكن الموظف أخبره أن بإمكانه الحصول على نسخة ورقية فقط إلى حين توفر الظروف المناسبة لاستئناف العمل واستخراج بطاقة رسمية.

لكن هيئات رسمية ومبادرات خيرية لا تتعامل مع النسخ الورقية لبطاقات الهوية خشية من تزويرها، ووفقًا لجلود فإن مساعدات مالية وعينية لم يتمكن من الحصول عليها والاستفادة منها لعدم امتلاكه بطاقة هوية رسمية.

ويضطر طلبة ومواطنون في غزة إلى تحمل أعباء مالية إضافية وتوكيل من ينوب عنهم في الضفة الغربية لاستصدار وثائق رسمية لهم من السلطة الفلسطينية في رام الله، كجوازات السفر وشهادات الميلاد والشهادات الدراسية وعقود الزواج، وإرسالها لأقارب وأصدقاء لهم عبر البريد السريع في عواصم عربية وأجنبية من أجل إتمام معاملات إلكترونية متعلقة بمنح دراسية أو لمّ شمل.

وتشير بيانات رسمية صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي فيما يخص التدمير في القطاع التعليمي إلى أن الحرب تسببت في تدمير 156 مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية دُمِّرت كليًا، و282 أخرى تعرضت للتدمير الجزئي، إضافة إلى تدمير هائل في المرافق الحكومية الرسمية التابعة لوزارة الداخلية ووزارات أخرى، ما تسبّب في تعطيل مصالح المواطنين.