Bisan

"نكبة عرب المليحات".. هجرهم المستوطنون و"الأوقاف" تأمرهم بإخلاء أرض مخصصة للاستثمار

Soruce تقارير
"نكبة عرب المليحات".. هجرهم المستوطنون و"الأوقاف" تأمرهم بإخلاء أرض مخصصة للاستثمار
أنصار اطميزه

أنصار اطميزه

صحفية من الخليل

"هجّرونا من المعرجات الشرقية جراء اعتداءات المستوطنين المتكررة والمتفاقمة علينا، وها نحن اليوم نواجه تهديدًا آخر بالتهجير، لكن من جهات فلسطينية هذه المرة". هكذا يُلخص سليمان المليحات حكاية 20 عائلة من عرب المليحات، مكوّنة من 123 شخصًا، وجدوا أنفسهم مطاردين أولًا من مليشيات المستوطنين، ثم من السلطة الفلسطينية بتهمة "الاعتداء على أراضي الدولة".

تؤكد وزارة الأوقاف أن الأرض التي نزح إليها عرب المليحات وقفية مخصصة للاستثمار وليس السكن، وجزءٌ منها مستأجر لصالح شركة الاتصالات، وتقول إنهم "اعتدوا" عليها قبل هجمات المستوطنين، وهو ما تنفيه العائلات

عاشت عائلات عرب المليحات في منطقة المعرجات الشرقية، شرق أريحا، لسنوات، قبل أن تُضطر، تحت ضغط اعتداءات المستوطنين المتكررة والعنيفة، إلى الانتقال لمنطقة ظهر البلقاء، بين قرية العوجا ومدينة أريحا، على بُعد نحو 7 كيلومترات شرقي التجمع، وقد وقع اختيارهم عليها لأنها "أقل عرضة لهجمات المستوطنين"، وفقًا لسليمان المليحات.

ويضيف سليمان أن العائلات الـ20 تعيش في تجمعها الجديد ظروفًا صعبة للغاية، حيث لا كهرباء ولا ماء ولا منازل، بل خيام رغم الحر الشديد، مؤكدًا أن المساعدات الإغاثية المقدَّمة من بعض المؤسسات "لا تتناسب مع النكبة التي تعرضت لها هذه العائلات".

"اعتداء على أراضي الدولة"

في أيار/ مايو 2025، تلقت العائلات الـ20 في منطقة ظهر البلقاء إخطارات فلسطينية بإخلاء المكان، بحجة أن الأرض التي نزحوا إليها تابعة للأوقاف، ووجودهم فيها يمثل "اعتداءً على أراضي دولة".

يقول سليمان المليحات: "صمدنا في التجمع السابق أربعة أعوام وقاومنا اعتداءات المستوطنين ومحاولات التهجير بكل الطرق، لكن في الشهور الأخيرة تغلغل المستوطنون بيننا عبر بؤرة استيطانية أقاموها وسط التجمع، وأصبح تنقلهم أسهل على مدار الساعة، فصعّدوا من السرقات والاعتداءات الجسدية، وزاد خطرهم حتى جعل من غير الممكن لنا البقاء، ولولا ذلك لما تركنا المنطقة". 

وبيّن أن الأجهزة الأمنية استدعت عددًا من أبناء تجمع المليحات وأجبرتهم على التوقيع على تعهد بإخلاء المكان في أقرب وقت. وعلم الترا فلسطين من أحد أبناء عرب المليحات، الذي ما زال يسكن في منطقة تتعرض لاعتداءات المستوطنين، أن الأجهزة الأمنية طلبت منه التوقيع على تعهد بألا يلجأ إلى منطقة ظهر البلقاء "بأي شكل ومهما اضطر به الأمر". وأكد المصدر، الذي طلب عدم كشف هويته، أنه اضطر للتوقيع "تحت التهديد بالسجن في حال الرفض". 

وأضاف ساخرًا: "يبدو أنني سأنزح إلى الأردن في حال تهجيري القسري، لأنه لم يعد أمامي خيارات في فلسطين. فعندما تجبرنا حكومتنا على التوقيع على أوراق، والمستوطنون يصادرون بيوتنا وأملاكنا، أين نذهب؟".

"الأرض مخصصة للاستثمار"

طلبنا من وزارة الأوقاف توضيحًا حول القضية، فجاء الرد على لسان مدير الإعلام في الوزارة، محمد نواهضة، الذي قال إن "هذه الأرض وقفية مخصصة للاستثمار وليس السكن، وجزءٌ منها مستأجر لصالح شركة الاتصالات".

وأضاف أن العائلات في منطقة ظهر البلقاء "معتدية على المنطقة قبل اعتداءات المستوطنين"، مشيرًا إلى أن وزارة الأوقاف ومحافظة أريحا اقترحت أماكن أخرى على العائلات للانتقال إليها، لكنها رفضت. ولم يوضح نواهضة أسماء الأماكن المقترحة، في حين تنفي العائلات تلقيها أي اقتراحات.

انتهاك قانوني ودستوري

المحامي حسن مليحات، المشرف العام لمنظمة "البيدر" المتخصصة في الدفاع عن حقوق البدو، والذي يتابع القضية، يؤكد أن رحيل العائلات إلى المنطقة جاء بعد مواجهة مع مليشيات المستوطنين المعروفة باسم "الاستيطان الرعوي" استمرت أكثر من ثلاثة أعوام.

وأوضح مليحات لـ "الترا فلسطين" أن من واجب السلطة الفلسطينية قانونيًا ودستوريًا توفير مأوى لكل من لا مأوى له، كما ورد في القانون الأساسي الفلسطيني، تحديدًا المادة 23 التي تنص على توفير السكن الملائم لكل المواطنين، "فكيف إذا كانوا ضحايا تهجير وتطهير عرقي؟".

وأضاف حسن مليحات أن ما يتعرض له عرب المليحات "انتهاك دستوري بحق المواطنين الذين صمدوا لأعوام أمام اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه". 

حسن مليحات: تهمة "الاعتداء على أراضي الدولة" الموجهة للعائلات الـ20 تستند إلى المادة 16 من قانون العقوبات الأردني لسنة 1960، "وتتنافى دستوريًا مع المادة 23 من القانون الأساسي الفلسطيني" التي تنص على توفير مأوى لكل من لا مأوى له

وأشار إلى أن تهمة "الاعتداء على أراضي الدولة" الموجهة للعائلات الـ20 تستند إلى المادة 16 من قانون العقوبات الأردني لسنة 1960 المعمول به في الضفة الغربية، مبينًا أن هذه المادة "تتنافى دستوريًا مع المادة 23 من القانون الأساسي الفلسطيني" المذكورة سابقًا.

هيئة الجدار: لا شأن لنا بالخلافات حول الملكية

عند سؤال هيئة مقاومة الجدار والاستيطان حول القضية، أفادت بأنها لا تملك معلومات عن خلاف بين العائلات ووزارة الأوقاف. وقال مدير الهيئة في منطقة وسط الضفة، صلاح الخواجا: "ليس لنا أي شأن أو تدخل في تفاصيل ملكية المكان والخلافات المتعلقة بذلك، ونحن نبحث مع المانحين والشركاء لتوفير احتياجات هذه التجمعات".

وأضاف أن "العديد من المواطنين بعدما تم ترحيلهم توجهوا إلى أماكن مختلفة، قد تكون حكومية أو تابعة للأوقاف أو غيرها، لكن ذلك لا يمنع أن تأخذ الإجراءات القانونية مجراها، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف والاحتياجات الطارئة لتلك العائلات، وتوفير احتياجاتها لدعم صمودها".

ويشير المحامي حسن مليحات إلى أن البدو من الشعوب الأصلانية التي يجب أن تتمتع بالحقوق التي وردت في إعلان الأمم المتحدة المعروف باسم "إعلان الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلانية – 2007"، الذي ينص على الاعتراف بحقهم في أراضيهم التقليدية، وإدارة شؤونهم الثقافية والاجتماعية، ورفض التهجير القسري.