"مصيرنا بعد 10 أيام مجهول، وقد نُرمى في الشارع. فهل يقبلون أن نُرمى في الشارع؟ نحن نقبل بذلك، فأطفالنا وعائلاتنا في غزة نازحون يعيشون في الخيام، ونستطيع أن نتحمّل مثلهم هذه المعيشة. لكن هل ترضى السلطة الفلسطينية، التي منحتنا تحويلة العلاج، أن نُرمى في الشارع؟" بهذه الكلمات عبّرت سيدة فلسطينية مريضة بالسرطان، تتلقى علاجها في المستشفى الاستشاري برام الله، عن معاناة 71 مريضًا ومرافقًا يواجهون خطر إنهاء إقامتهم في فندق "الريتنو" بمدينة رام الله، بعد أن أبلغتهم إدارة المستشفى بأن يوم 31 آب/أغسطس الجاري سيكون آخر يوم في تغطية تكاليف إقامتهم.
سيدة غزية: نحن 71 مريضًا ومرافقًا من غزة، وكان بيننا أيضًا 10 مرضى آخرون توفّوا ودُفنوا في رام الله. بيننا نساء ورجال مسنّون وأطفال مرضى. إلى أين يمكن أن نذهب؟
السيدة التي تحدّثت باسم المرضى رفضت الإفصاح عن اسمها في حوار خاص مع "الترا فلسطين"، خشية وقف تحويلة علاجها، كما قالت، مشيرة إلى أنهم يتلقّون العلاج في الضفة الغربية منذ ما قبل الحرب بناءً على تحويلات من وزارة الصحة تغطي تكاليف العلاج والإقامة.
وتوضح أن الحكومة الفلسطينية لم تلتزم بدفع المستحقات المالية المترتبة عليها للمستشفى الاستشاري، ما دفع المستشفى إلى التلويح بالتوقّف عن تغطية نفقات الإقامة. إذ منحهم في البداية مهلة حتى 1 آب/أغسطس الجاري، قبل أن يمدّدها إلى نهاية الشهر.
وتضيف السيدة: "نحن 71 مريضًا ومرافقًا من غزة، وكان بيننا أيضًا 10 مرضى آخرون توفّوا ودُفنوا في رام الله. بيننا نساء ورجال مسنّون وأطفال مرضى. إلى أين يمكن أن نذهب؟".
وبحسب مصدر مطّلع لـ"الترا فلسطين"، فإن المستشفى الاستشاري أرسل بتاريخ 27 تموز/يوليو الماضي كتابًا رسميًا يُبلغ فيه الفندق بانتهاء التغطية المالية في 31 آب/أغسطس الجاري.
ويؤكّد المصدر لـ"الترا فلسطين" أن محافظة رام الله والبيرة ووزارة التنمية الاجتماعية تواصلتا مع فندق الريتنو وأخذتا بيانات المرضى، لكن دون حدوث أي جديد حتى الآن.
وجاء في الكتاب الذي حمل عنوان "إشعار بإنهاء التعاون فيما يخص مرضى ومرافقي غزة"، والصادر عن المستشفى الاستشاري، القول: "نود إعلامكم بأن فترة التعاون بيننا قد انتهت، وسيكون آخر يوم للتعامل بتاريخ 31/08/2025. وبناءً عليه، نؤكد أنه اعتبارًا من التاريخ المذكور لا تتحمّل مؤسستنا أي مسؤولية تجاه مرضى ومرافقي غزة المقيمين في الفندق أو أي التزامات مالية أو تنظيمية تخصّهم".
وتشير السيدة المريضة إلى أنهم أطلقوا مناشدات عبر مختلف الجهات ووسائل التواصل الاجتماعي لتفادي تركهم في الشارع، لكن دون استجابة، إذ ترسلهم كل جهة إلى أخرى.
وتوضح: "كلّفنا خمسة شبّان من بيننا بالتواصل مع قاضي القضاة محمود الهباش، لكنه كان مسافرًا. كما توجّهوا إلى وزارة التنمية الاجتماعية والمحافظة، لكنهم لم يجدوا أي حلول حتى الآن".
حاولنا في "الترا فلسطين" التواصل مع وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الصحة للحصول على تعقيب حول الأمر، لكن لم ننجح حتى لحظة نشر التقرير في الحصول على أي رد، وسنعمل على إضافته فور وروده.
غير أن مركز الاتصال الحكومي أصدر بيانًا رسميًا أكّد فيه أن "وزارة التنمية الاجتماعية تعمل على تأمين سكن لائق للمرضى العالقين من غزة ومرافقيهم، وذلك بتوجيهات حكومية". ووفق البيان الصادر اليوم الإثنين، فإن الوزارة "تواصل جهودها الحثيثة لضمان توفير سكن آمن ولائق للمرضى ومرافقيهم من أبناء شعبنا في قطاع غزة العالقين في الضفة منذ بداية الحرب، حتى بعد تماثلهم للشفاء، وذلك بالتعاون مع القطاع الخاص والمستشفى الاستشاري العربي".
وأضاف البيان: "ضمن جهودها في تعزيز منظومة الحماية والرعاية الاجتماعية في فلسطين، نفّذت الوزارة سلسلة تدخلات شملت صرف 700 شيكل للمرضى والمرافقين، و41,500 شيكل لعدد من الحالات، إضافة إلى 100 دولار عبر مؤسسات مثل أنيرا وهيئة الأعمال الخيرية العالمية، إلى جانب كوبونات وقسائم شرائية وتأمين صحي ودعم نفسي واجتماعي".
وأشار البيان إلى أن "جميع المرضى ومرافقيهم، طوال فترة علاجهم، تم تأمينهم في أحد فنادق مدينة رام الله بمبادرة من المستشفى الاستشاري العربي، بمن فيهم من استكملوا العلاج والرعاية الصحية".
وتعليقًا على ما ورد في البيان، قالت السيدة إن السلطة الفلسطينية التزمت فعلًا بتغطيتهم خلال الفترة الماضية، لكنها أوضحت: "تدفع لنا وزارة التنمية الاجتماعية 700 شيكل كل 3 شهور. فهل تكفي لدفع المواصلات أو الطعام والشراب، أو لإرسالها إلى أطفالنا في غزة؟ وفي بعض الفترات لم تتأخر الوزارة في صرفها".
وأوضحت أن تغطية الإقامة في الفندق تشمل فقط وجبة الإفطار، بينما تصل وجبة الغداء من الأجهزة الأمنية، وهي نفس الوجبة التي يتناولها الجنود، مشيرةً إلى أن مرضى السرطان بحاجة إلى طعام خاص.
وجاء في مناشدة عامة صادرة عن أهالي المرضى، قولهم: "نعبر عن خشيتنا من أن يصبح العشرات من مرضى السرطان والأمراض المزمنة بلا مأوى آمن، مهددين بالتشرد في الشوارع بعد أن عجزت المؤسسات الرسمية عن توفير بديل". وأضافوا: "ندعو إلى تحرك وطني وإنساني عاجل لتأمين بدائل سكنية وعلاجية تحفظ كرامتهم وحقهم في الحياة".
وختمت المناشدة بالقول: "الأجساد المنهكة بالسرطان لا تحتمل مزيدًا من العذاب الجسدي والنفسي، وجهنا رسائل لرئيس الحكومة محمد مصطفى بالخصوص لكن دون جدوى".
في أعقاب نشر المرضى مناشدة عامة، أصدر المستشفى الاستشاري بيانًا، عصر اليوم، تحت عنوان: "توضيح حول ما يتم تداوله وإشاعته حول مرضى قطاع غزة ومرافقيهم الذين استأجر لهم المستشفى فندقًا للإقامة منذ أكتوبر 2023".
وقال البيان: إن "المستشفى الاستشاري العربي إذ أخذ على عاتقه منذ أكتوبر 2023 استئجار فندق الريتنو في رام الله لاستيعاب ومبيت المرضى والمرافقين الذين كانوا قد دخلوا للعلاج في المستشفى وقد انقطعت بهم سبل العودة لقطاع غزة وقد بلغ عددهم 83 مريضًا ومرافقًا.
ومنذ ذلك الحين والمستشفى يقوم بدفع فاتورة الفندق وقد تجاوزت ستة ملايين ونصف المليون شيكل، وقد بلغ المستشفى مرحلة لا يستطيع فيها دفع الفاتورة لأقل من شهر آب للعام 2025 (هذا الشهر)".
وتابع بيان المستشفى الاستشاري قائلًا: إن "الوضع المادي المتأزّم جدًا الذي يمرّ به المستشفى وصل إلى حدود صعبة جدًا وضعته أمام استحقاقات تشغيلية لتأمين وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية، وعليه نقوم حاليًا بالتنسيق مع الحكومة الفلسطينية من خلال وزير الصحة ووزير التنمية الاجتماعية لحل هذا الأمر بما يضمن حفظ كرامتهم، كون ما يُشاع ويُقال إن المستشفى طلب إخلاء المرضى هو كلام عارٍ عن الصحة ولا يمتّ للحقيقة بصلة".
وأكّد مصدر لـ"الترا فلسطين" اجتماع إدارة المستشفى مع المرضى في شهر تموز/يوليو الماضي، وإبلاغهم بنهاية التغطية المالية لهم في مطلع آب/أغسطس، لكنه تراجع عن ذلك ومدّد الإقامة حتى نهاية شهر آب/أغسطس الجاري.
ورغم حديث المستشفى الاستشاري عن أزمة مالية، فقد افتتح قبل أشهر مركز الاستشاري للسرطان، بكلفة لم يُفصح عنها، رغم التقديرات بتجاوزها ملايين الدولارات. كما قام بشراء عقار لتوسيع المستشفى العربي التخصصي في مدينة نابلس. وتشير المصادر إلى أن المستشفى لا ينتظم بدفع رواتب موظفيه منذ بداية الحرب، رغم أنه قام بإلغاء إجازة يوم السبت لهم منذ بداية الحرب على غزة.
والمستشفى الاستشاري هو أحد مستشفيات شركة المجمع الطبي العربي التخصصي التي تضم مركز الاستشاري للسرطان، ومستشفى ابن سينا في جنين والمستشفى العربي التخصصي في نابلس، ويملك الحصة الأكبر فيها رجل الأعمال والطبيب سالم أبو الخيزران.