Bisan

غزة بدون "رنين مغناطيسي" والجرحى يواجهون مصيرًا مجهولًا

Soruce تقارير
غزة بدون "رنين مغناطيسي" والجرحى يواجهون مصيرًا مجهولًا
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

ينتظر الجريح محمود أحمد سعيد مصيرًا مجهولًا إثر إصابته بثمانية أعيرة نارية في ساقيه، ألزمته أحد أسرَّة العلاج المتآكلة في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح.

حتى عشية إطلاق إسرائيل حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، كانت مستشفيات القطاع في شماله وجنوبه تمتلك 9 أجهزة للتصوير بالرنين المغناطيسي، ولكن خرجت كلها عن الخدمة

أُصيب أحمد (26 عامًا) في مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المجوعين الباحثين عن الطعام قرب مركز لتوزيع المساعدات تابع لمؤسسة غزة الإنسانية، المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل" غرب رفح. في تلك المجزرة -وهي واحدة من مجازر يومية متكررة- سقط عشرات الشهداء والجرحى، بينما نجا أحمد بأعجوبة ولكن مع إصابة بالغة في ساقيه.

إصابة أحمد كانت تستدعي خضوعه لصورة بالرنين المغناطيسي، غير أنه دخل إلى غرفة العمليات دون هذه الصورة المفقودة في مستشفيات القطاع بأكملها، وأُجريت له عملياتٌ جراحيةٌ للسيطرة على النزيف، وترميم الكسور التي أصابت عظام ساقيه.

وحتى عشية إطلاق إسرائيل حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، كانت مستشفيات القطاع في شماله وجنوبه تمتلك 9 أجهزة للتصوير بالرنين المغناطيسي، ولكن خرجت كلها عن الخدمة، بفعل التدمير الكلي المباشر من جيش الاحتلال، أو نتيجة عدم توفر قطع الغيار ومستلزمات إعادة تشغيلها من غاز وقطع غيار.

أحمد سعيد واحدٌ من ضحايا ما تسميها هيئات محلية ودولية "مصائد الموت"، التي راح ضحيتها 1026 شهيدًا وأكثر من 6563 جريحًا، بحسب ما ورد في بيان وزارة الصحة في غزة يوم الثلاثاء 22 تموز/يوليو 2025.

وبحسب مصادر طبية تحدثت لـ"الترا فلسطين"، فإن أعدادًا كبيرة من جرحى الحرب فقدوا حياتهم، أو تعرضوا لحالات بتر أطراف، بسبب عدم توفر الإمكانيات اللازمة، سواءً للتشخيص الذي يساعد على العلاج وإجراء العمليات الجراحية اللازمة مثل أجهزة الرنين المغناطيسي، أو لعدم توفر الكادر الطبي المتخصص والأدوية والعلاجات.

ويعاني أحمد سعيد بشدة من آلام تلازمه طوال ساعات الليل والنهار، ويقول: "كنت أريد الطعام لأسرتي وكدت أن أفقد حياتي، والآن لا أعرف مصيري بعد إزالة هذه المرابط والجبص وإن كنت سأعود للسير بصورة طبيعية أم لا".

مع اندلاع الحرب فقد سعيد عمله كسائق سيارة أجرة في شمال القطاع، وليس له ولأسرته (9 أفراد) أي مصدر دخل يعينهم على تحمل أعباء الحياة القاسية في خيمة ينزحون بها بالقرب من شاطئ البحر غرب مدينة غزة.

وتبدو حالة أحمد سعيد أفضل من حالة الشاب الجريح محمد العواودة (19 عامًا)، الذي اضطر الأطباء إلى بتر إحدى ساقيه على الفور، نتيجة إصابته بقذيفة أطلقتها دبابة إسرائيلية شرق مخيم البريج للاجئين وسط القطاع.

كان محمد -وفق وصف والدته إيمان- "دينامو البيت"، في إشارة منها إلى نشاطه، وتحمله المسؤولية في تدبر شؤون واحتياجات أسرته المكونة من 8 أفراد، وتسكن في منزل مدمر في مخيم البريج القريب من السياج الأمني الإسرائيلي المحيط بالقطاع من الناحية الشرقية.

ويقول محمد إن قذيفة دبابة استهدفته وصديقًا له بينما كانا يجمعان الحطب، وسقطا أرضًا، وظلّا ينزفان لنحو ساعة ونصف الساعة قبل نقلهما إلى مستشفى شهداء الأقصى.

وصل العواودة إلى المستشفى الوحيد الذي يخدم مئات آلاف السكان والنازحين في المحافظة الوسطى، وكان يعاني من نزيف حاد تسبب في انخفاض دمه إلى 5 درجات فقط.

في اليوم التالي قرر الأطباء بتر ساقه اليمنى، وهو تدخل طبي يقولون إنهم يلجؤون إليه بصورة اضطرارية من أجل إنقاذ حياة الجرحى، بسبب عجزهم عن أي تدخل آخر يحول دون التحاق الجريح بفئة ذوي الإعاقة، نتيجة عدم توفر الخبرات الطبية التخصصية أو الأجهزة الطبية مثل الرنين المغناطيسي للتشخيص السليم وتحديد طبيعة التدخل الطبي والجراحي المناسب.

"قبل الحرب كان محمد يعمل في قطاع البناء، واليوم يحتاج إلى من يأخذ بيده للحمام لقضاء حاجته" تقول والدته بحسرة على ما أصاب ابنها "الذي لو كان لدينا مستشفيات وأجهزة متطورة لربما لم يفقد ساقه" وفق اعتقادها.

وإلى جانب القصف الجوي العنيف على عموم قطاع غزة، والاجتياح البري واحتلال 75% من مساحته، أغلق جيش الاحتلال، أيضًا، المعابر، وشدَّد الحصار بشكل تدريجي ليصل إلى نحو غير مسبوق منذ 2 آذار/مارس الماضي، ونتيجة لذلك لم تدخل الإمدادات الإنسانية، فيها الأجهزة الطبية والأطبية إلى القطاع، وحتى الوفود الأجنبية المتخصصة.

وفي حديث لـ"الترا فلسطين" قبل يوم واحد من اعتقاله على يد قوة خاصة إسرائيلية، أكد مدير المستشفيات الميدانية في وزارة الصحة مروان الهمص أن الاحتلال يرفض إدخال أجهزة طبية، بما فيها التصوير بالرنين المغناطيسي، لتعويض الأجهزة المدمرة، كما يرفض إدخال قطع غيار لإجراء صيانة للأجهزة المعطوبة.

وخلال شهور الحرب وعمليات الاجتياح البري دمرت قوات الاحتلال الأجهزة الطبية في المستشفيات، خاصة تلك الأجهزة المتطورة التي بها شاشات رقمية وملحقة بأجهزة حاسوب، ومنها 9 أجهزة رنين مغناطيسي، وفقًا للهمص، الذي قالت مؤسسة الضمير إنه معتقلٌ في سجن عسقلان ومصابٌ برصاصة في قدمه أثناء اعتقاله.

خلال شهور الحرب وعمليات الاجتياح البري دمرت قوات الاحتلال الأجهزة الطبية في المستشفيات، خاصة تلك الأجهزة المتطورة التي بها شاشات رقمية وملحقة بأجهزة حاسوب، ومنها 9 أجهزة رنين مغناطيسي

وكان لهذا التدمير الممنهج، وفقًا لمروان الهمص، أثره السلبي الكبير على حياة الجرحى والمرضى، حيث وجد الأطباء أنفسهم أمام حالات معقدة لا يمكن التعامل معها دون أجهزة الرنين المغناطيسي وغيرها من الأجهزة اللازمة للتشخيص الدقيق للحالة وتحديد طبيعة التدخل الطبي المناسب.

وتشير بيانات المكتب الإعلامي الحكومي إلى أن 38 مستشفى استهدفها الاحتلال، وأصابها بتدمير كلي أو جزئي، أو أخرجها عن الخدمة، إضافة إلى 96 مركزًا للرعاية الصحية دُمّرت أو خرجت عن الخدمة، وبحسب الهمص فإن القطاع الصحي خسر جراء هذا الاستهداف الكثير من الأجهزة الطبية وغرف العمليات، الأمر الذي يزيد الضغط على المستشفيات القليلة المتبقية التي تترنح بسبب الحصار وعدم توفر الأجهزة الطبية والدواء والوقود، وحتى الطعام، وسط المجاعة المستشرية حاليًا ويعاني منها المرضى والطواقم الطبية.