Bisan

تحت المجاعة: الغلاء والنقود المهترئة والعمولات.. أزمات تُفرغ جيوب الغزّيين

Soruce تقارير
تحت المجاعة: الغلاء والنقود المهترئة والعمولات.. أزمات تُفرغ جيوب الغزّيين
مدلين خالد خلة

مدلين خالد خلة

صحفية من غزة

في سوق الشيخ رضوان الشعبي، تتجول ناريمان أبو النور بحثًا عن من يصرف لها المال من حسابها البنكي إلى سيولة نقدية بعمولة معقولة، حتى تتمكن من شراء كميات قليلة من الدقيق تسد بها رمق صغارها، الذين لم يتناولوا الطعام منذ ثلاثة أيام.

لم تجد ناريمان من يرضى بعمولة تقل عن 45%، أو أن تأخذ الأموال بعملة قديمة وبعضها مهترئ لا يقبل الباعة به، الأمر الذي اضطرها للعودة أدراجها دون أن تحضر شيئًا لأطفالها كالعادة.

وقالت في حديثها لـ "الترا فلسطين"، "من أسبوع وأنا أبحث عن عمولة مناسبة، إذ وصلت العمولة إلى أن يقاسمك التاجر نصف المبلغ الذي تمتلكه". 

هناك خطة إسرائيلية منذ بداية الحرب لتجفيف السيولة من القطاع، وزيادة الضغط على المواطنين ضمن حرب اقتصادية بالتوازي مع نظيرتها العسكرية

وأضافت، "المشكلة ليست في عدم وجود سيولة نقدية في قطاع غزة وحسب، بل أيضًا هناك أزمة العملة المهترئة التي لا يقبلها الباعة، إضافةً إلى الغلاء الفاحش في الأسعار".

وأردفت "شراء كيلو من الأرز يكلف 60 شيقلًا نقدًا، ومحاولة الحصول عليه عبر التطبيق البنكي سيجعل التكلفة 100 شيقل، أما الدقيق فيبلغ ثمنه نقدًا 150 شيقل، وعلى تطبيق يتجاوز الـ200 شيقل". وحتى لو توافرت النقود، فإن الغلاء الفاحش في أسعار السلع الغذائية، حال توفرها، ما يلبث أن يفرغ جيوب الغزيين، وفقًا لها.

حال ناريمان كما حال مئات الآلاف في غزة، لا سيما بعدما منع الاحتلال دخول السيولة النقدية إلى القطاع منذ بدء الحرب، ما سبب أزمة انبثق عنها العملة المهترئة التي يرفض الباعة التعامل بها وعمولة التطبيق البنكي الباهظة، بهدف الحصول على السيولة لشراء ما أمكن من السلع. 

يعاني عبد الله نبهان من أزمة السيولة كونه يعمل بائعًا على بسطة في حي الرمال وسط مدينة غزة، مشيرًا إلى تأثيرها على البائع والمشتري معًا.

وأضاف لـ "الترا فلسطين"، "عندما يأتي زبون للشراء وأقدم له أوراقًا من فئة الـ20 شيقل يرفضها بحجة أن التجار لا يقبلونها، وهذه مشكلة مختلقة؛ لأن الورقة النقدية ما دام تسلسلها الرقمي واضحًا، فالأصل أن تكون سليمة، لكن العملة المهترئة أثرت علينا، وكثيرًا ما اضطررت لعدم البيع بسبب عدم وجود فكة".

وتابع، "السيولة أيضًا مشكلة، لأنه عندما يريد المواطن شراء أي شيء لعائلته عليه أن يتنازل عن نسبة 45% للحصول على سيولة، أو أن يقوم بذلك عبر التطبيق البنكي والذي سيرفع سعر السلعة المرتفعة أصلًا".

وفي هذا الشأن، أكد المختص بالشأن الاقتصادي ماهر الطباع أن الحرب على القطاع هي السبب الرئيس في حدوث أزمة السيولة والعمولات المهترئة، مشيرًا إلى أن إعادة فتح البنوك وتداول العملات سيساعد على حل هذه الأزمة.

لا مال في السوق

وقال في حديثه لـ "الترا فلسطين"، "طرح هذه القضية في سياق الحرب يفقدها أي حل يمكن أن يلوح بالأفق". وأضاف أنه لا يوجد حل جذري لهذه الأزمة إلا بسماح الاحتلال بدخول الشيقل إلى القطاع، وما دون ذلك يعني تفاقم الأزمة. 

من جانبه، أكد إسلام السيد، الذي يعمل في إحدى محلات الصرافة في القطاع، أن "أزمة السيولة وتوافر الشيقل انعكست أيضًا على أصحاب محلات الصرافة، الذين باتوا يواجهون صعوبة في إقناع الناس بقبول العملة الموجودة في السوق".

وأضاف، "منذ عامين وهذه الأوراق يتم تداولها بين الناس لذلك أصبحت مهترئة، ولا يقبلها أحد، لكن ما دامت الأرقام على العملة موجودة فهي سليمة".

وتابع: "لا يوجد مال في السوق غير هذا، فمن أين يأتي الصرافون بالمال؟ وقد أصبحوا بسبب هذه الأزمة بالكاد يستطيعون الإنفاق على عوائلهم".

حرب اقتصادية

بدوره، أوضح المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر أن أساس التعامل مع أي عملة هو الثقة، بمعنى أن المواطنين يثقون في أن هذه الفئات لها مرجعية، وحال فقدوا الثقة بها تصبح بلا قيمة، وهذا ما يجري بسبب الحرب.

وأكد أبو قمر أن "هناك خطة إسرائيلية منذ بداية الحرب لتجفيف السيولة من القطاع، وزيادة الضغط على المواطنين ضمن حرب اقتصادية بالتوازي مع نظيرتها العسكرية، تتمثل في إخراج كميات كبيرة من النقد من خلال التنسيقات التي حدثت في البداية للمسافرين، مع منع إدخال أي كميات من السيولة، ما يتعارض مع بروتوكول باريس الاقتصادي، الموقع بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي عام 1994". 

وأوضح لـ "الترا فلسطين" أن ما يعمق الأزمة هو انتشار السوق السوداء وإبعاد القطاع المصرفي بالكامل. مشيرًا إلى عدم قيام سلطة النقد بالمهام المنوطة بها، "سواء مخيرة أو مجبرة، إذ التزمت الصمت، وهذه نقطة فارقة منذ بداية الحرب".

وتابع المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر: "البنوك أغلقت، وأصبح التجار يتحكمون في القطاع المصرفي عبر السوق السوداء، بالتالي فإن خمسة أو سبعة تجار معروفون، وهم من يقولون إذا كانت هذه الأوراق مقبولة أم لا". 

وأضاف: "الحركة التجارية سيئة وإبعاد عمل سلطة النقد والبنوك والمصارف له تأثيرات سلبية لا تقل عن مشكلة الفقر والبطالة، وهذا يأتي  ضمن المؤشرات السلبية للاقتصاد ككل". 

وبين أبو قمر: "لم يعد لدينا اقتصاد رسمي ومن يتحكم في القطاع المصرفي هم تجار، وتفيد التقديرات حاليًا بوجود نقص في السيولة بمعدل 40%، وحل هذا الأزمة بأن تقوم سلطة النقد بالضغط على الاحتلال لإدخال سيولة عملًا بالاتفاقيات الموقعة".