Bisan

"بدايات سوق سوداء" للعملة في الضفة.. أسباب سياسية واقتصادية

Soruce تقارير
"بدايات سوق سوداء" للعملة في الضفة.. أسباب سياسية واقتصادية
بثينة بدر سفاريني

بثينة بدر سفاريني

صحفية من طولكرم

أكد محللٌ اقتصاديٌ ظهور "بدايات سوق سوداء" للعملة في الضفة الغربية، يتمثل بفارق كبير في أسعار الصرف لدى محلات الصرافة، ذلك بينما اتخذت سلطة النقد الفلسطينية إجراءات قانونية متنوعة ضدها، في محاولة للسيطرة على الأزمة التي تزامنت مع مشكلة تكدس الشيكل ورفض الاحتلال الإسرائيلي استقبال الفائض منها  لدى البنوك العاملة في فلسطين.

الأزمة بدأت عندما انتشرت شائعاتٌ عن إلغاء ورقة الـ 200 شيكل من التداول، وما رافقها من تخوفات عند فلسطينيين من داخل الخط الأخضر، الذين بادروا للتخلص منها عبر شراء عملات أخرى أو شراء الذهب من السوق الفلسطيني، ما أدى لزيادةٍ في معروض الشيكل وطلبٍ مرتفعٍ على الدولار

وظهرت هذه الأزمة بصورة واضحة في أيلول/ سبتمبر 2024، حيث شهدت الأسواق تلاعبًا في أسعار الصرف وصرف الدولار حينها بنحو 3.90 شيكل في حين كان رسميًا بحدود 3.79 شيكل، قبل أن تعود إلى السطح مجددًا في الآونة الأخيرة وسط أزمات اقتصادية وسياسية أهمها تكدس الشيكل وتأخر الاحتلال في الموافقة على إدخال عملتي الدولار والدينار إلى السوق الفلسطيني، وانتشار شائعات عن إلغاء "إسرائيل" ورقة الـ 200 شيكل من التداول، ما دفع مواطنين للتخلص منها تجنبًا لتأثيرات القرار المحتملة. 

سلطة النقد تعاقب محلات صرافة

قررت سلطة النقد في بداية شهر تموز/ يوليو الجاري إغلاق عدد من محلات الصرافة في محافظة رام الله والبيرة، وفرض غرامات مالية على محلات أخرى، شملت صرافين خارج رام الله، "استنادًا لأحكام التعليمات رقم (01) لسنة 2024 بشأن أسعار صرف العملات الرئيسية". 

وعلقت سلطة النقد في تصريح خاص لـ"الترا فلسطين"، بأن القرار يرجع إلى قيام هذه المحلات ببيع وشراء الدولار بأسعار تفوق بشكل كبير السعر الرسمي في السوق، الأمر الذي يهدد الاستقرار المالي، لافتةً إلى أن بعض المحلات التي واجهت هذه العقوبة تجاوزت الهوامش المستوفاة على أسعار الصرف لديها 2500 نقطة، بدلاً من استيفاء 200 نقطة بموجب التعليمات السارية بالخصوص.

وجاء في المادة (3) بخصوص بيع وشراء العملات بأنه يجب على الصراف الالتزام ما يلي: الاعتماد على شاشات العملات العالمية الموثوقة مثل رويترز أو بلومبيرغ عند تحديد أسعار شراء وبيع العملات الرئيسة المتداولة في فلسطين، وألا يتجاوز سعر بيع العملة السعر السائد لشرائها على الشاشات العالمية مضافًا له 200 نقطة أساس كحد أقصى، وألا يؤدي سعر الصرف إلى خلق تأثير سلبي على التنافسية العادلة. 

وبخصوص العقوبات، فقد جاء في مادة (5)، يعاقب كل من يخالف أحكام هذه التعليمات وفق أحكام المادتين (24، 25) من القرار بقانون رقم (40) لسنة 2022 بشأن ترخيص ورقابة مهنة الصرافة بما يشمل: إغلاق مقر أو عدة مقرات للصراف لمدة تحددها سلطة النقد، وفرض غرامة مالية على الصراف، وإلغاء ترخيص الصراف.

وبينت سلطة النقد أن قرار الإغلاق ينحصر في مخالفة شركاتٍ للصرافة للتعليمات ذات العلاقة بهوامش الربح على العملة وليس مرتبطًا بمخالفات لقانون "غسل الأموال" و"تمويل الإرهاب".

ويأتي الحديث عن تكرر هذه الأزمة وسط أوضاع اقتصادية وسياسية صعبة، خاصة مع رفض الاحتلال شحن الفائض من الشيكل، وتأخره في إعطاء الموافقة على إدخال عملتي الدولار والدينار إلى السوق الفلسطيني. حيث تقوم المصارف بإيعاز من سلطة النقد بإدخال ما يحتاجه السوق من الدينار والدولار، مما يسهم في الحفاظ على توازن العملات في السوق وتأمين الطلب عليهما.

وذكرت سلطة النقد أن عدم استجابة الاحتلال لطلباتها بشحن الشيكل أدى إلى قيام بعض التجار بتنفيذ عمليات الإيداع في حساباتهم المصرفية بعملتي الدولار والدينار، الأمر الذي قاد إلى زيادة حجم الطلب على هاتين العملتين، تزامنًا مع عدم القدرة على جلب الدولار والدينار من الأردن في الوقت المناسب، مما سبب فروقات وهوامش سعرية كبيرة في عمليات البيع والشراء لهاتين العملتين.

وأكدت أنها تعمل من خلال أدواتها الرقابية والتنظيمية على ضبط السوق والحفاظ على التوازن فيه، عبر تحذيرها للمرخصين وفرض العقوبات إن لزم الأمر.

متى بدأت الأزمة؟

أوضحت شركة صرافة في محافظة رام الله والبيرة، تحدثت لـ "الترا فلسطين" شريطة عدم ذكر اسمها، أن الأزمة بدأت عندما انتشرت شائعاتٌ عن إلغاء ورقة الـ 200 شيكل من التداول، وما رافقها من تخوفات عند فلسطينيين من داخل الخط الأخضر، الذين بادروا للتخلص منها عبر شراء عملات أخرى أو شراء الذهب من السوق الفلسطيني، ما أدى لزيادةٍ في معروض الشيكل وطلبٍ مرتفعٍ على الدولار.

الجدير بالذكر أن "إسرائيل" طرحت مرتين إلغاء ورقة الـ 200 شيكل، المرة الأولى في أيلول/ سبتمبر 2024، وذلك ضمن خطة اقتصادية من بين بنودها إلغاء هذه الورقة النقدية لمكافحة ما يسمى بـ "الأموال السوداء"، أما المرة الثانية فكانت بتصريح من وزير خارجية الاحتلال جدعون ساعر لضرب ما وصفه "اقتصاد حماس في غزة". وقد أدت هذه التصريحات، التي جوبهت بانتقادات ومعارضة من بنك إسرائيل، إلى تخبطات لدى الجمهور الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء.

وقالت شركة الصرافة التي تحدثت لـ "الترا فلسطين"، إنها سجلت عدة ملاحظات حول أداء الجمهور، وسط الأوضاع الاقتصادية والسياسية الحالية، مثل الطلب العالي على الدولار، والتوجه أكثر إلى شراء الذهب بعملة الشيكل بدلًا من استبداله بعملات أخرى. 

وأوضحت أن أحد الأسباب التي قد تدفع بعض محلات الصرافة إلى القيام بفروقات في أسعار الصرف لديها، هو عدم وجود معروض من الدولار، مع تراجع أحد مصادرها وهو شراؤها من المواطنين بسبب تقييدات البنوك على عملية سحبها، ولذلك فإن هذه المحلات ومن أجل جذب الزبون لشراء العملة الأميركية فإنها تدفع سعرًا أعلى، وينطبق هذا الأمر على باقي العملات مثل الدينار واليورو.

زيادة في معروض الشيكل في السوق

ويُبين المحلل في الشأن الاقتصادي مؤيد عفانة، أن السبب الرئيس وراء أزمة تكدس الشيكل  في البنوك العاملة في فلسطين، القيود التي يضعها الاحتلال على شحن فائض عملته من الاقتصاد الفلسطيني، حيث يتوجب عليه استقبال 18 مليار شيكل سنويًا (عبر أربع دفعات على مدار السنة) وهو مبلغ لا يتناسب مع نمو الاقتصاد الوطني.

ويوضح عفانة في حديثه لـ"الترا فلسطين"، أن الاحتياج الفعلي هو شحن حوالي 30 مليار شيكل للبنوك الإسرائيلية سنويًا، ولهذا هناك فائض دائم للشيكل في الاقتصاد الفلسطيني، يشتد في بعض الأشهر لمستويات حرجة.

وأشار إلى أنه على الرغم من شحن "إسرائيل" 4.5 مليار شيكل في بدايات تموز/ يوليو الجاري، إلا أن الأزمة لم تحل جذريًا وقد تتجدد في الأوقات اللاحقة، لا سيما مع وجود تكدس بنحو 13 مليار شيكل، ما يعيق تغذية حسابات البنوك الفلسطينية لدى البنوك الإسرائيلية، التي تتم من خلالها تنفيذ المعاملات المالية اللازمة لعمليات شراء وبيع السلع والخدمات ما بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، كما أنه يكلف البنوك العاملة في فلسطين تكاليف التخزين والتأمين والنقل.

وذكر عفانة أن هناك تبعات سلبية لتكدس الشيكل على الاقتصاد المحلي، بسبب وجود كتلة نقدية خاملة في البنوك لا نملك القدرة على تحويلها إلى حسابات حية في البنوك المراسلة الإسرائيلية أو تبديلها إلى عملة أخرى، وهذا يؤثر على حركة التجارة. عدا عن تأثيرات سلبية أخرى على الاقتصاد وفرص الاستثمار فيه، بسبب الحاجة إلى ضمانات بعدم وجود مخاطر متعلقة بالعملة، منها الدولار والدينار وتدفقها للسوق الفلسطيني، وفقا له.

سوق سوداء لتجارة العملة 

وأوضح عفانة أن ما حدث مؤخرًا في السوق الفلسطيني، هو أن بعض محلات الصرافة استغلت أزمة تكدس الشيكل، إلى جانب الحرب الإسرائيلية على إيران، والخوف عند المواطنين خاصة بما يتعلق بالوقود، مع الطلب العالي على الدولار والدينار مقابل عرض محدود من البنوك.

ورأى عفانة أن البنوك كانت جزءًا من الأزمة بسبب عرضها المنخفض على هاتين العملتين، و"الأصل أن يكون هناك مرونة أكبر منها وأن يتحمل الجميع المسؤولية". وأضاف أنه يتفهم وجود إدارة مخاطر في البنوك وأن أصل المشكلة هو الاحتلال، "لكنها ارتأت حماية نفسها عبر التحوط"، مؤكدًا أنه لا يمكن القبول بوجود فوضى بالسوق؛ لأن من سيدفع الثمن هو المواطن.

اقترح مؤيد عفانة حلولاً للأزمة، من بينها تعزيز التحول الرقمي للتخفيف من الكتلة النقدية، وضبط تدفقات الشيكل في السوق الفلسطيني، ومرونة أكبر من البنوك لاستقبال الشيكل

وأكد مؤيد عفانة ظهور "بدايات لسوق سوداء، حيث قام البعض باستغلال الحالة الموجودة من أجل خلق سوق تختلف أسعارها عن الأسعار الرسمية في السوق النظامي، بهدف تحقيق أرباح كبيرة بفارق سعر الصرف"، لكنه قال إن هذا لا يشمل جميع محلات الصرافة.

وأشار إلى أن هذا الأمر حدث العام الماضي وتكرر مجددًا هذه السنة بصورة أكبر، مؤكدًا على أهمية إجراءات سلطة النقد في إعادة ضبط السوق بحيث أن يكون أكثر نظاميًا.

واقترح مؤيد عفانة حلولًا لحل الأزمة، أهمها الضغط السياسي الدولي على إسرائيل لأخذ عملتها ورفع الكوتا إلى حوالي 30 مليار شيكل، إلى جانب حلول فنية داخلية، منها مرونةٌ أكبر من البنوك لاستقبال الشيكل، ورقابة أكبر من سلطة النقد على محلات الصرافة، إلى جانب تعزيز التحول الرقمي للتخفيف من الكتلة النقدية، وضبط تدفقات الشيكل في السوق الفلسطيني، "حتى لا يكون هناك نظام اقتصادي بالتوازي مع النظام الاقتصادي الرسمي الموجود في فلسطين".