ذهبت ندى حرز الله إلى السوق لشراء قهوة لفتح بيت عزاء لوالدها الذي توفي في حرب الإبادة على غزة، وبعد غليها، اكتشفت أنها مصنوعة من الحمص، ورفض المعزّون شربها لسوء طعمها. وتقول ندى لـ"الترا فلسطين": "اشتريت وقية قهوة بـ120 شيكلًا من شاب أكّد لي أنها غير مغشوشة وعلى ضمانته، بعدما أخبرته أنها لبيت عزاء وأريدها أن تكون مناسبة، إلا أنه خدعني فيها بعد محاولات لإقناعي بها".
في غزّةَ، باتَ فنجانُ القهوةِ من غير بُنٍّ تحدّيًا جديدًا، وصارت القهوةُ المغشوشةُ من العدسِ والحمّصِ، خديعةً عامّةً يُعاني منها أهالي القطا
وتشير إلى أنها سمعت كثيرًا عن القهوة المغشوشة في الأسواق، منها المصنوعة من الحمص، والعدس، ونوى التمر، وعملت على تجنّب هذه القهوة، إلا أنها وقعت في "فخّها" وقت الشدّة، أي في عزاء والدها، فلم يكن لديها خيار آخر سوى الاستمرار بصنعها للناس. وتبيّن أنّ إغلاق المعابر على غزة أرغم الكثيرين على اختراع المستحيل، ومنها القهوة، قائلة: "في هذه الحرب باتت حياتنا كلها مغشوشة، وليست القهوة فقط".
ويعتبر كُثُر أن فنجان القهوة الصباحي أساسي لبداية يومهم وأشغالهم، لكن مع إغلاق المعابر وشُح المواد الخام، أصبح امتلاك القهوة غير المغشوشة أمرًا نادرًا، إذ تخطّى سعرها 100 دولار، بعدما كانت تُباع بأقل سعر 15 شيكلًا (حوالي 4 دولارات). وقهوة الحرب المغشوشة تحتوي على الحمص، والعدس، ونوى التمر، والأرز، وتحمص على الحطب، حتى تحترق، ومن ثم تطحن، ويُضاف إليها الهيل والقرنفل، ويتم بيعها على أنها قهوة بديلة، ليتناول الغزّيون فنجانهم الصباحي، على الرغم من أن طعمها غير مقبول عند الكثيرين، لكن لا خيارات كثيرة أمامهم.
تجربة منزلية
محمود عميرات قرر صنع القهوة بمفرده من الحمص، والعدس، والأرز، فقام بمرحلة التحميص، ثم توجه إلى مطحنة خاصة ووضع عليها القرنفل والهيل، فكانت تجربته "بائسة"، كما وصفها، وكانت النتيجة غير مقبولة، فاضطر إلى توزيعها بين أقاربه. ويخبرنا محمود: "سمعت من صديق عن تجربته بصنع القهوة، وكان الدافع أنها اقتصادية، وأفضل من الشراء بسعر أغلى من السعر القديم بكثير، وتشجّعت على التجربة، لكنها كانت سيئة".
وتابع: "قررت توزيع بعضها على أقاربي، ووضع كمية أخرى لي، للتعايش مع قهوة الحرب الجديدة، وبعد أن كانت القهوة في متناول الجميع، بات الآن لا يحصل عليها سوى القلّة". ويلفت إلى أنه كان يشرب في اليوم أربعة فناجين، واليوم يضطر إلى تناول القهوة المغشوشة، للتخفيف من حدّة الصداع الذي لا يفارق رأسه إلا بشرب القهوة، كما يقول.
ويوضح أن القهوة كالطعام، عندما تنقطع يشعر بالهُزَال والتوتر، وبعد مرور أيام على شرب قهوة الحرب، في تخفيف لوصفها بـ"المغشوشة"، واعتاد عليها، متمنيًا دخول القهوة الأصلية إلى غزة كي يقوم بتخزينها أكثر من السلع الغذائية.

لا رفاهية للاختيار
وفي شمال غربي غزة، وتحديدًا في منطقة الجلاء، ينادي البائع: "قهوة برازيلية، تركية، قهوة أصلية تعدّل مزاجك"، وعلى وقع هذا النداء يهرع الناس إليه لشراء ملعقة للتذوق بقيمة خمسة شواكل، وآخرون يأخذون كميات كبيرة، فيقعون في فخ الباعة مرة أخرى.
مريم سالم وقعت في هذا الفخ، إذ دفعت 100 شيكل ثمنًا للقهوة بعدما وثقت بالبائع، وتقول: "اشتريتها بهذا المبلغ على أساس أنها أصلية، وحتى لا تنقطع من عندي، وبعد غليها اكتشفت أنها مغشوشة أيضًا".
وتضيف لـ"الترا فلسطين": "القهوة بعدما اشتريتها طعمها لم يكن مرًّا، بل كانت حلوة، وبعد ساعة من تناولها يصيبني وجع في المعدة بشكل غير عادي، وتسبّب الصداع، وللأسف في غزة لا نملك رفاهية الاختيار". وكانت مريم تعتاد على شرب القهوة يوميًا بعد الإفطار مع والديها وأشقائها، وبعد عودة الحرب على غزة، انهارت هذه الجمعة الصباحية.
وتختم بالقول إن والدتها أُصيبت بتقرحات معوية من القهوة، نظرًا لأنها تحتوي على البقوليات وتتعرض لدرجة تحميص عالية، ومن الممكن أن تُصاب بأمراض أخرى إذا استمرت عليها.

كارثة صحية
وأوضح خبير التغذية والتثقيف الصحي هشام حسونة، أنه يتم غش القهوة عبر عدة طرق، مثل إضافة نشارة الخشب، ونخالة القمح، والشعير، والحمص، والتين المجفف منتهي الصلاحية بعد حرقه، أو خلط كمية قليلة من البن عالي الجودة بكمية كبيرة من البن منخفض الجودة. وأكد حسونة لـ"الترا فلسطين"، أن القهوة المغشوشة لها تأثيرات صحية متعددة، وأبرزها: التلبك المعوي، وحموضة المعدة، والقولون العصبي.
وأشار إلى أنه على المدى البعيد، ومع الاستعمال لفترات طويلة، قد يتطور الأمر للإصابة بالسرطان نتيجة إضافة بعض الأصباغ، والحرق الزائد للتغطية على غش المكونات، مما يسبب تكوّن مادة الأكريلاميد المسرطنة. وحثّ حسونة على التقليل من شرب القهوة المغشوشة التي تُباع في الأسواق أو صناعتها في المنزل، كي لا يقع أحد في فخ الأمراض.
تغييب الدور الحكومي
وأوضح الباحث الاقتصادي أحمد أبو قمر، أنه خلال الحرب على غزة، أصبح هناك: حالة من الغش والسلع رالديئة للاستخدام من جهة، ومن جهة أخرى التجويع وتغييب الدور الحكومي بسبب الاستهدافات المتكررة بحقهم. وأشار أبو قمر لـ"الترا فلسطين"، إلى أن الأسعار المرتفعة خلقت الكثير من "الاختراعات"، منها الغش أو التعايش مع الواقع المفروض عليهم، ومن ضمنها القهوة.
وتابع أن الأسعار أيضًا ولّدت الغش، حتى أصبح علنيًا، وندرة السلع هي البوابة الأولى للغش على المواطنين، وغياب الرقابة خارج عن الإرادة. وأكد أنه يوجد قانون لحماية المستهلك يضمن للمواطن ضرورة الحصول على السلع بالجودة العالية، مستدركًا: "لكن نحن في حالة استثنائية لعدم تطبيق القانون".