Bisan

1000 حاجز وبوابة.. زمن غير معلوم في الضفة

Soruce تقارير
1000 حاجز وبوابة.. زمن غير معلوم في الضفة
بثينة بدر سفاريني

بثينة بدر سفاريني

صحفية من طولكرم

يحاصر جيش الاحتلال الإسرائيلي، الضفة الغربية، بأكثر من 1000 حاجز وبوابة، أحدثت فصلاً تامًا بين المحافظات وداخلها، بلغ ذروته وسط حالة التصعيد من جانب واحد التي يقوم بها الاحتلال في الضفة الغربية، جنبًا لجنب مع حرب الإبادة في قطاع غزة، ما غيَّر مفهوم الزمن لدى الفلسطينيين في الضفة، كما يوحي بمعالم جغرافية جديدة للمنطقة.

هكذا، فإن "رحلة" في الضفة الغربية كان يقضيها الفلسطيني في 20 دقيقة سابقًا، باتت الآن بلا زمن محدد، فقد تستغرق 40 دقيقة، وقد يمتد الأمر لأكثر من ساعتين، ليس بسبب أزمات السير أو حوادث طارئة، بل بسبب إغلاق حاجز عسكري أو بوابة بشكل مفاجئ ودون "حاجة أمنية"

بيت فوريك شرق نابلس، واحدة من أكثر القرى تضررًا سياسة العزل في الضفة الغربية، نتيجة الحاجز العسكري الذي وضعه جيش الاحتلال على المنفد الرئيس والوحيد للقرية إلى باقي المناطق في الضفة الغربية. يشرح محمود الصيفي، الصورة في بلدته بيت فوريك، من خلال حادثة -ليست فردية- وقعت له أثناء عودته من جنين إلى بيت فوريك، حيث بقي منتظرًا العبور من الحاجز إلى منزله من الساعة الثالثة عصرًا حتى منتصف الليل.

بيت فوريك | تصوير ناصر اشتيه
بيت فوريك | تصوير ناصر اشتيه

وقال محمود الصيفي: "حتى في رمضان الفائت كان أهالي بيت فوريك، وبيت دجن المجاورة لها، يُضطرون لتناول الإفطار خلف الحاجز حتى يسمح الجيش لهم بالعبور إلى بلدتهم".

حاجز بيت فوريك | تصوير زين جعفر
إفطار رمضاني على حاجز بيت فوريك | تصوير زين جعفر

ويزيد من معاناة أهالي بيت دجن وبيت فوريك عدم وجود طرق بديلة للطريق الرئيسي المغلق بالحاجز العسكري، إذ كان جيش الاحتلال قد أغلق الطرق البديلة في أوقات سابقة. 

وأوضح محمود الصيفي، أنهم كانوا يسلكون في السابق طرقًا فرعية لتجنب الوصول إلى الحاجز، الأول طريق المسرب من الجهة الشرقية لبيت فوريك باتجاه الأغوار وصولاً إلى خط مستوطنتي "جتيت" و"الحمرا"، لكن هذا الطريق أغلق عام 2005 بالسواتر الترابية. 

أما الطريق الثاني، وفقًا للصيفي، فيقع إلى الشمال من بيت دجن ويصلها مع جارتها بيت فوريك في الأغوار الوسطى (العقربانية والنصارية) وكان يعد منفذًا ثانيًا للبلدتين حتى عام 2020، حيث أقيمت بؤرة استيطانية على مقربة من المكان وأغلق لاحقًا.

حاجز قرب نابلس

من جانبها، تروي هنادي حسن أنها خلال توجهها مع عائلتها من بلدة صرة جنوب غرب نابلس إلى قرية سفارين في طولكرم، حاولت العبور من حاجز دير شرف، لكنها اضطرت بسبب الأزمة الخانقة إلى تغيير مسلكها نحو حاجز صرة، وهناك بعد نصف ساعة من الانتظار دون جدوى، اضطرت مع عائلتها للعودة إلى حاجز دير شرف والانتظار ساعتين ونصف حتى سمح الجنود للمركبات بالمرور.

لم ينتهِ الآمر عند هذا الحد، فقد اضطرت هنادي مع عائلتها إلى تغيير طريقهم الترابي نحو بيت ليد ثم سفارين، بسبب تواجد المستوطنين في المنطقة، ليسلكوا طريق "الكفريات"، وهو مدخل ثانٍ لبيت ليد.

والحال في سفارين وبيت ليد المتجاورتين ليس أفضل، فالأهالي هنا يضطرون للسير في طريق ترابي من أجل الوصول إلى الشارع الرئيس، بعدما أغلق جيش الاحتلال مدخل بيت ليد بساتر ترابي ولاحقًا نصب بوابة حديدية عليه. 

هكذا، فإن "رحلة" في الضفة الغربية كان يقضيها الفلسطيني في 20 دقيقة سابقًا، باتت الآن بلا زمن محدد، فقد تستغرق 40 دقيقة، وقد تمتد إلى ساعتين أو ثلاث ساعات أو يزيد، ليس بسبب أزمات السير أو حوادث طارئة، بل بسبب إغلاق حاجز عسكري أو بوابة بشكل مفاجئ ودون "حاجة أمنية"، أو بسبب اضطرار المسافر للعبور في طريق التفافي قد يكون ترابيًا وطويلاً وربما شديد الخطورة على مركبته، هذا عدا عن إلغاء "رحلات" كاملة بعد الانتهاء من جزء من المسافة وربما أكثر من نصفها، لتعذر إتمامها حتى النهاية.

بوابة ترمسعيا | تصوير وهاج بني مفلح
بوابة ترمسعيا | تصوير وهاج بني مفلح

وفي هذه الظروف، أصبحت "مجموعات" و"قنوات" أحوال الطرق أكثر أهمية للفلسطينيين في الضفة الغربية من تطبيقات خرائط الطرق، إذ تحظى هذه "القنوات" بتفاعل ساخن وتحديث على مدار الساعة لأحوال الطرق، يُمكنك أن تلاحظ فيه كيف يتغير وضع الطريق أو يغلق الحاجز أو البوابة بين ثانية وأخرى. 

حاجز عطارة | تصوير عصام ريماوي
حاجز عطارة | تصوير عصام ريماوي

ماذا يحدث في الضفة؟ 

يوضح منسق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان جمال جمعة، أن البوابات والحواجز جزءٌ من المنظومة العسكرية في إعادة صياغة الخارطة الجغرافية السياسية للضفة الغربية، مع التركيز بصورة أكبر على القرى التي لها مداخل على الطرق الرئيسية.

ويربط جمال جمعة، في حديثه لـ الترا فلسطين، بين الحواجز العسكرية والبوابات والخطط الإسرائيلية لضم الضفة الغربية، وهي الخطط التي دخلت حيز التنفيذ فعليًا في خارطة أعلن عنها في العام 2020 (خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى) وكان الحديث حينها عن ضم نحو 33 في المئة من مساحة الضفة بشكل كلي، ووضع حوالي 75 قرية فلسطينية في حالة غير مستقرة، إضافةً إلى تغيير شبكة التنقل عبر طرق جديدة وإلغاء القديمة الواصلة بين المدن الفلسطينية.   

ويُبين جمعة أنه بعد إطلاق جيش الاحتلال حرب الإبادة في الضفة الغربية، لم تعد مساحة الـ33 في المئة -المذكورة سابقًا- مطروحة، بل ذهبت حكومة المستوطنين واليمين المتطرف إلى أبعد من ذلك وصولاً لحدود المناطق المصنفة (ب)، التي تخضع إداريًّا للسلطة الفلسطينية، إضافة لإغلاق مداخل القرى على حقول الزيتون في الأراضي المصنفة (ج)، وذلك عبر مليشيات المستوطنين التي تشكل رأس الرمح في تنفيذ هذا المخطط.

مستوطنين
المستوطنون رأس الرمح في فصل القرى عن الحقول التابعة لها

ورأى جمال جمعة أن الاحتلال بدأ عمليًّا بضم الضفة الغربية عبر تركيزه بشكل أساسي على الحواجز العسكرية وتغيير شبكات الطرق والشوارع لاستكمال عمليته.

وقال: "لغاية اللحظة لم يتضح بعد ما هي بعض الطرق البديلة أمام الفلسطينيين، لكني أستطيع أن أرى أو أقدر بأن الطريق الرئيس من رام الله إلى نابلس قد يتغير ويصبح من رام الله إلى سلفيت ثم نابلس. قد يكون من الصعب تخيل المشهد فيما بعد أو إلى أين نتجه، لكن أتوقع أن الطرق المشتركة حاليًّا قد لا تكون كذلك فيما بعد". 

جمال جمعة: لغاية اللحظة لم يتضح بعد ما هي بعض الطرق البديلة أمام الفلسطينيين، لكني أستطيع أن أرى أو أقدر بأن الطريق الرئيس من رام الله إلى نابلس قد يتغير ويصبح من رام الله إلى سلفيت ثم نابلس

وفي شرحه لهذه الفكرة، أشار جمال جمعة إلى الطريق الالتفافي لطريق حوارة، مبيَّنًا أن هذه الطريق المتاح حاليًا للفلسطينيين قد لا يبقى كذلك في المستقبل، فهو يرى أن الطريق سيُخصص لاحقًا للمستوطنين وحدهم. 

ويوضح جمعة، أنه لتحقيق هذا المشروع ينفذ الاحتلال حملات مصادرة واسعة للأراضي الفلسطينية وخلق واقع جديد بعدم قدرة الفلسطينيين على الوصول إلى أراضيهم المصنفة (ج)، إذ سيكون المستوطنون والبؤر الاستيطانية الرعوية هم المانع أمام ذلك. 

واستذكر كيف تبدلت طرق الفلسطينيين في أوقات سابقة، تحديدًا خلال فترة الانتفاضة الثانية، مشيرًا إلى أن بعض الطرق الرئيسية المستخدمة حاليًا هي بالأساس أراضٍ زراعية تم تغيير هويتها بهدف التنقل بين المناطق بالضفة.