Bisan

صور | عائلات تبحث عن الحياة في مركز شرطة مدمّر شمال غزة

Soruce تقارير
صور | عائلات تبحث عن الحياة في مركز شرطة مدمّر شمال غزة
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

في زنازين محترقة داخل مركز شرطة مدمّر بحيّ النصر شمال مدينة غزة، تقيم سبع أسر نازحة، ضاقت بها الأرض بما رحبت، بعد أن دمّر الاحتلال منازلها في بلدة بيت لاهيا، وأجبرها، كغيرها من مئات آلاف السكان في شمال قطاع غزة، على الفرار إلى حيث "اللامكان".

في غزة، النازحون لم يجدوا مأوى سوى زنزانة محترقة في مركز شرطة مُدمّر. يموتون جوعًا أو خوفًا من قصف جديد. لم يبقَ لهم إلّا الركام والخوف

هديل شحادة (35 عامًا) تعيش هناك مع والديها المسنَّين، وشقيقتها وابنتيها، وشقيقيها مع أسرتيهما، بإجمالي 19 فردًا، غالبيتهم من النساء والأطفال. لم يجدوا ملاذًا سوى هذا المبنى المتهاوي، الذي دمّرته غارة جوية إسرائيلية ولم يتبق منه سوى بقايا جدران وسقف متداعٍ، يفتقر لأدنى شروط الأمان.

هديل شحادة تطل من زنزانة في مركز شرطة بمدينة غزة على دمار واسع يحيط بالمكان-أحلام خماد-الترا فلسطين
هديل شحادة تطل من زنزانة في مركز شرطة بمدينة غزة على دمار واسع يحيط بالمكان (أحلام حمّاد/ الترا فلسطين)

تعاني هديل من مرض السرطان، ورغم وعيها بالخطر الذي يحيط بهم – سواء من القصف أو من مخلفات لم تنفجر بعد – لم تجد وعائلتها مأوى آخر، وتقول لـ "الترا فلسطين": "نعيش في خوف دائم، قد يُقصف المكان مجددًا، أو نُدفن تحت أنقاضه".

نزوح في زنزانة

خاضت هديل وعائلتها رحلة نزوح قاسية، اضطروا خلالها لمغادرة منزلهم نحو ستّ مرات منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عقب عملية "طوفان الأقصى". وبعد وقف إطلاق النار في 19 كانون الثاني/ يناير، عادوا إلى أنقاض منزلهم، ونصبوا خيمة بجواره، لكن الاحتلال لم يمنحهم سوى القليل من الوقت قبل أن يُجبرهم على النزوح مجددًا في 18 آذار/ مارس مع استئناف الحرب.

توجّه مئات آلاف النازحين إلى مدينة غزة التي غصّت بالخيام، فيما امتلأت المدارس والمراكز عن آخرها، واضطرّت هديل شحادة وأسر أخرى من جيرانها للّجوء إلى زنازين محترقة في مركز الشرطة المدمّر.

هديل شحادة: الموتُ يُحدّق بنا من كل جانب.. بالقصف أو بالجوع، ولا خبز لدينا منذ شهر

وتصف حياتهم قائلة: "الموت يحاصرنا ليلًا ونهارًا، بقصف مفاجئ، أو بالجوع الذي ينهش أجسادنا. لم نحصل على دقيق منذ شهر، ونتغذى على ما توفره تكيّة خيرية، غالبًا شوربة عدس بلا خبز، ونقضي يومنا جوعى".

أسر نازحة تقيم داخل مركز شرطة مدمر جراء غارات جوية إسرائيلية في مدينة غزة-أحلام حماد-الترا فلسطين
أسر نازحة تقيم داخل مركز شرطة مُدمّر جراء غارات جوية إسرائيلية في مدينة غزة (أحلام حمّاد/ الترا فلسطين)

وبحسب تقرير "التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي"، فإن جميع سكان قطاع غزة يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي، في ظل الحصار الإسرائيلي ومنع إدخال المساعدات منذ 2 آذار/ مارس.

الموت قصفًا وجوعًا

أم كلثوم أبو عصر (40 عامًا)، كانت أول من لجأ إلى مركز الشرطة، لتسكن مع زوجها وأطفالها الثلاثة (بنتان وولد) في زنزانة بالطابق الأول من المبنى المتهالك. ومنذ بداية الحرب، نزحت عائلتها نحو عشر مرات، بين جنوب القطاع وشماله، قبل أن تعود إلى منزلها في بيت لاهيا وتكتشف أنه صار ركامًا.

أم كلثوم أبو عصر: هذه الحرب بلا محرمات، تقصف الخيام والبيوت والشوارع.. لم يعد هناك أي مكان آمن في غزة

تقول لـ "الترا فلسطين": "حذّرنا الجميع من اللجوء لهذا المبنى المهدد بالانهيار، لكننا لم نجد خيارًا آخر. ندرك أننا نعيش في خطر، لكن لا مكان آمن في غزة. كلنا مهددون بالموت في أي لحظة".

أم كلثوم تجهز النار لإعداد ما تيسر من طعام لأسرتها في ظل مجاعة متفشية نتيحة الحصار وإغلاق المعابر-أحلام حماد-الترا فلسطين
"أم كلثوم" تُجهّز النار لإعداد ما تيسّر من طعام لأسرتها في ظل مجاعة متفشية نتيحة الحصار وإغلاق المعابر(أحلام حماد/ الترا فلسطين)

تتابع: "هذه الحرب بلا محرمات ولا خطوط حمراء. القصف يطال البيوت والخيام والمدارس والأسواق. قبل أيام وقعت غارة قربنا، اهتز المبنى كما لو كان زلزالًا. كنا على وشك الموت".

فيليب لازاريني: "لا مفرّ.. الموت يلاحق العائلات في غزة أينما ذهبت

وفي تعليق على قصف مدرسة تابعة للأونروا قبل أيام، قال المفوِّض العام للوكالة فيليب لازاريني: "لا مفر: الموت يلاحق العائلات في غزة أينما ذهبت. لا مكان آمن، ولا أحد في مأمن".

وأضاف: "في غزة، يوما بعد يوم، تؤدي اللامبالاة والتقاعس إلى تطبيع مشاهد التجريد من الإنسانية. عائلات تُقصف. أطفال يُحرقون وهم أحياء. أطفال يتضوّرون جوعًا".

وتقدّر "أونروا" أن الحرب أدّت إلى نزوح نحو مليون و900 ألف نسمة من أصل سكان القطاع البالغ عددهم مليونين و200 ألف، معظمهم نزحوا أكثر من مرة. 

420 ألف شخص نزحوا مجددًا بعد انهيار الهدنة.. و69% من مساحة غزة باتت مناطق خطر ونزوح دائم

وتُظهر البيانات أن 69% من مساحة القطاع باتت خاضعة لأوامر نزوح نشطة أو ضمن المناطق المحظورة.

وتُقدّر الأمم المتحدة أن 420 ألف شخص نزحوا مجددًا بعد انهيار الهدنة، معظمهم من شمال القطاع، في مشهد إنساني يتكرر بلا نهاية.

أحمد نجل أم كلثوم يطل من داخل زنزانة يقيم بها مع أسرته في مركز شرطة مدمر في مدينة غزة-أحلام حماد-الترا فلسطين
أحمد نجل "أم كلثوم" يطل من داخل زنزانة يقيم بها مع أسرته في مركز شرطة مدمّر في مدينة غزة (أحلام حماد/ الترا فلسطين)