Bisan

نزيف دائم في غزة وبنوك الدم تفتقر للمتبرعين

Soruce تقارير
نزيف دائم في غزة وبنوك الدم تفتقر للمتبرعين
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

"نقطة دم تنقذ حياة". هذا أحد شعارات كثيرة لحملات لا تتوقف بنوك الدم في مستشفيات قطاع غزة عن إطلاقها، ومناشدات للتبرع بالدم، من أجل مواكبة الأعداد الهائلة من جرحى حرب الإبادة الإسرائيلية.  غير أن هذه المناشدات لا تجد استجابة واسعة، ويرجع أطباء ومختصون ذلك إلى المجاعة المتفشية في قطاع غزة.

هناك ظاهرة عزوف عن التبرع بالدم في غزة، بسبب المجاعة، وبعض المتبرعين يشعرون بالتعب والدوخة ولا يستطيعون إكمال وحدة دم واحدة، فيتم إتلاف الكمية التي سحبت منهم

عايش "الترا فلسطين" يومًا في قسم بنك الدم بمجمع ناصر الطبي، وهو المستشفى الحكومي الوحيد في مدينة خان يونس بعد خروج مستشفى غزة الأوروبي عن الخدمة قبل نحو أسبوع. وعلى مدار هذا االيوم، رأينا الصورة القاتمة في القسم، حيث المقاعد فارغة والأجهزة بلا عمل، بينما حذرت الإدارة من أن أرصدة الدم لديها على وشك النفاد خلال أيام قليلة.

المجاعة وبنوك الدم في غزة

كيف لجائع أن يتبرع بالدم؟

وخلال أربع ساعات، لم يحضر سوى متبرع واحد، وهو يوسف التلاوي (25 عامًا)، الذي قال لـ الترا فلسطين إنه اعتاد منذ سنوات طويلة التبرع بوحدة دم مرة كل ثلاثة شهور، لكن على مدار 19 شهرًا من الحرب لم يتمكن من التبرع سوى 3 مرات فقط، وقد كانت هذه المرة الأولى التي يأتي فيها يوسف للتبرع بالدم خلال الشهور الستة الماضية، ويرجع السبب إلى تفشي المجاعة التي أنتجت لديه شعورًا دائمًا بالهزال والدوخة بسبب سوء التغذية.

المجاعة وبنوك الدم في غزة

ويقول يوسف التلاوي، الذي تزوج حديثًا ورُزق بطفلته الأولى خلال الحرب، إنه لم يتذوق اللحوم منذ شهور طويلة، وكذلك الفواكه والبيض، عدا عن الارتفاع الهائل على أسعار الخضروات الشحيحة في الأسواق. ولولا أن صديقًا ليوسف دعاه لتناول وجبة الافطار برفقته، لما تمكن من الحضور لقسم بنك الدم للتبرع.

يتساءل يوسف بمرارة: "كيف لجائع أن يتبرع بالدم؟"، ويضيف أنه طوال الشهور الماضية كان يشعر بحزن شديد عندما يسمع ويرى مناشدات بنوك الدم للتبرع بالدم لإنقاذ الجرحى والمرضى، وهو مقيَّدٌ بالجوع ولا يستطيع أن يتبرع بقطرة دم من أجل المساهمة في انقاذ حياة إنسان.

المجاعة تخيم على بنوك الدم

"أشعر أنني لست بخير"، يقول محمد البريم (43 عامًا) مفسرًا عدم قدرته على تلبية نداءات المستشفيات للتبرع بالدم من أجل إنقاذ أرواح المرضى وضحايا الحرب.

يقيم البريم مع أسرته المكونة من 7 أفراد بجانب سور مدرسةٍ قريبةٍ من مجمع ناصر  الطبي، وقد خسر نحو 10 كيلوغرامات من وزنه خلال الشهرين الماضيين، إذ كان وأسرته يعتاشون على ما يتوفر لهم من كمية قليلة من الطعام توزعه تكية خيرية مجاورة، قبل أن تجبرهم قوات الاحتلال على النزوح من بلدة بني سهيلا شرق مدينة خان يونس.

ويقول البريم: "طوال سنوات عمري كنت رياضيًّا، وأتمتع بصحة جيدة، والآن لا أستطيع التبرع بوحدة دم"، ويضيف: "جربوا فينا كل شيء لقتلنا بالصواريخ وبالجوع، ولم يبق إلا أن يقطعوا عنا الهواء أو يضربونا بقنبلة نووية".

العزوف عن التبرع بالدم أصبح ظاهرة

وتشير مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في وزارة الصحة صوفيا زعرب إلى "ظاهرة ملفتة لعزوف الشباب عن التبرع بالدم"، وتقول لـ الترا فلسطين، إن هذه الظاهرة ازدادت على نحو كبير منذ تشديد الحصار وإغلاق المعابر في 2 آذار/مارس الماضي، وما تبع ذلك من تفشي المجاعة وسوء التغذية.

وبحسب زعرب فإنه لم يدخل رصيد بنك الدم في مجمع ناصر الطبي خلال ثلاثة أيام متتالية سوى 10 وحدات دم فقط، في مقابل صرف 250 وحدة في الفترة ذاتها، لمواكبة الأعداد الهائلة من الجرحى.

المجاعة وبنوك الدم في غزة

وتضيف أن "المجاعة فتكت بالجميع، وكثيرين في مرحلة الشباب يعانون من سوء التغذية، ويخشون من التبرع بالدم، وبينهم من يتعالى على جوعه ويأتي للتبرع بالدم، ولكنه يشعر بالتعب والدوخة ولا يستطيع إكمال الوحدة، فنضطر لاتلاف الكمية التي سحبت منه".

أحد هؤلاء شابٌ في العشرينات من عمره، بجسد تبدو عليه الصحة، حضر قبل بضعة أيام للتبرع بالدم، وبعد دقائق معدودة من جلوسه على المقعد المخصص وهو ينظر إلى أنبوب متصل بكيس طبي يفترض أن يمتلئ بوحدة الدم، ظهرت عليه فجأة علامات التعب الشديد وبدأ يتصبب عرقا وأصيب بالغثيان والدوخة. لاحظت الموظفة ذلك، وسألته فورًا: "هل تناولت أي شيء قبل حضورك للتبرع؟، وعندما أخبرها أن آخر ما دخل جوفه "قطعة صغيرة من الخبز تناولها مع القليل من الزعتر الليلة الماضية"، نزعت الأنبوب من يده، ورفضت تبرعه.

وتؤكد صوفيا زعرب أن مثل هذه الحالة تتكرر مع متبرعين يؤثرون على أنفسهم ويتعالون على آلامهم للتبرع بالدم، تلبية لنداءات متكررة من المستشفيات للمساهمة في إنقاذ أرواح جرحى، غير أن تداعيات الجوع تظهر عليهم أثناء عملية نقل الدم، التي "تتطلب طاقة وسعرات حرارية وتعويض سريع للسوائل والسكريات المفقودة، وهي أشياء رغم بساطتها مفقودة بسبب الحصار والمجاعة".

ودرجت العادة على منح المتبرع بالدم العصائر بعد انتهاء التبرع، لكن الدكتورة زعرب تقول إن بنوك الدم في غزة تفتقر لهذه العصائر بسبب الحصار ومنع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، "وفي أحيان كثيرة لا نجد حتى كأسًا من المياه العذبة ليشربه المتبرع".

أرصدة صفرية في بنوك الدم

ووصفت صوفيا زعرب واقع بنوك الدم بأنه "معقد وخطير ومقلق للغاية"، وتقدر بأن رصيد الدم المتوفر حاليًا يكفي لأربعة أيام فقط في أحسن الأحوال، ما لم تشهد الاعتداءات الإسرائيلية تصعيدًا على نحو أكبر وأوسع.

وصفت صوفيا زعرب واقع بنوك الدم بأنه "معقد وخطير ومقلق للغاية"، فهناك عجزٌ كبيرٌ في أرصدة الدم، وفي أجهزة نقل الدم والأكياس

وتعاني بنوك الدم في غزة من عجز كبير في أرصدة الدم، وكذلك في أجهزة نقل الدم والأكياس، وتبين صوفيا زعرب أن الكثير من المواد والمستلزمات "رصيدها صفر"، حيث يمنع الاحتلال إدخالها، علاوة على منع إدخال وحدات دم من الخارج لتغذية الأرصدة ومواكبة التطورات وإنقاذ الجرحى والمرضى، وآخرها كمية من متبرعين بالضفة الغربية منع الاحتلال إدخالها قبل استئنافه الحرب.

ونتيجة لذلك، "نعمل في ظروف صعبة واستثنائية، ولا تتناسب مع الضغط الهائل في أعداد الجرحى يوميًا، وبتنا نحتاج لنحو نصف ساعة من أجل تجهيز وحدة دم واحدة بطريقة يدوية، وهي ضعف المدة التي كنا نستغرقها في الوقت الطبيعي" وفقًا لزعرب.

وتقول إنه بسبب شدة الاعتداءات وما ينجم عنها من جرحى، وما تعانيه بنوك الدم من عجز ونواقص في كل شيء، بات الالتزام بالمعايير الطبية العالمية أمرًا صعبًا ومعقدًا، "فنضطر أحيانًا لتجاوز هذه المعايير من حيث قياس نسبة الهيموغلوبين، والوزن، والضغط، والتأكد من سلامة المتبرع وخلوه من الأمراض، وقدرته على التبرع".

كما تضطر بنوك الدم أحيانًا للتعامل مع متبرعين يعانون من سوء التغذية، "ما يفسر معاناة غالبية المتبرعين في الوقت الحالي من الدوخة والصداع والهزال والغثيان، بعد عملية سحب الدم" أضافت صوفيا زعرب.