أكد تحقيقٌ لصحيفة واشنطن بوست، نُشر يوم السبت، أن الخطة الإسرائيلية – الأميركية لتوزيع المساعدات في قطاع غزة، التي يُتوقع أن يبدأ تنفيذها هذا الأسبوع، تواجه مصاعب وأسئلة معقدة تجعل فرصها للنجاح ضئيلة، عدا عن الملاحظات حول أخلاقية هذه الآلية وشرعيتها نظرًا إلى القانون الإنساني الدولي.
ترفض وكالات إنسانية بارزة وجهات مانحة محتملة هذه الخطة، كما أن بعض كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي يشككون فيها، وحتى بعض الأشخاص الذين شاركوا في التخطيط المبكر للمؤسسة نأوا بأنفسهم عن المشروع
وأشارت واشنطن بوست إلى أن الوثائق التي حصلت عليها حول الخطة الإسرائيلية ومن ضمنها مؤسسة غزة الإنسانية التي تم إنشاؤها بهدف حشد الأموال وتنفيذ عملية توزيع المساعدات، أظهرت مخاوف لدى القائمين على الخطة من أن خطتهم قد تواجه أسئلة ضارة محتملة من الجمهور حول أصولها المبهمة ومؤهلاتها وشرعيتها الأخلاقية.
وأضافت، أن هذه المخاوف تبدو في محلها الآن، إذ ترفض وكالات إنسانية بارزة وجهات مانحة محتملة هذه الخطة، كما أن بعض كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي يشككون فيها، وحتى بعض الأشخاص الذين شاركوا في التخطيط المبكر للمؤسسة نأوا بأنفسهم عن المشروع، مشيرين إلى هواجس أخلاقية بشأن إمكانية أن يؤدي إلى تنفيذ خطة التهجير القسري التي تحلم بها إسرائيل.
وأكد تحقيق واشنطن بوست، أن مؤسسة غزة الإنسانية واجهت صعوبة في التوقيع مع مجموعات الإغاثة الإنسانية الراسخة أو الجهات المانحة الرئيسية، حيث قالت الأمم المتحدة والعديد من منظمات الإغاثة إنها لا تستطيع التعاون مع نموذج ينتهك مبادئها.
وبيّن التحقيق أن إدارة ترامب أخذت زمام المبادرة في الدعوة نيابة عن صندوق غزة الإنساني، واستضافت اجتماعات مع مسؤولي المساعدات الإنسانية على أمل التوصل إلى حل وسط يرضي كلا من منظمات الإغاثة وإسرائيل، لكن المحادثات لا تزال في طريق مسدود.
وأوضح التحقيق، أن المدراء التنفيذيين البارزين في المجال الإنساني، الذين وصفتهم منظمة غزة الإنسانية بأنهم أساسيون لقيادة جهودها لم يوقعوا بعد على المبادرة أو تنصلوا منها، كما أن الدول العربية والأوروبية التي اقترحت أن تكون ممولة تراجعت عن ذلك، مما أثار تساؤلات حول كيفية حصول الصندوق على التمويل وإمدادات المساعدات.
وأظهرت الوثائق التي حصلت عليها واشنطن الشكوك العامة التي سترافق آلية التوزيع الإسرائيلية، بما في ذلك احتمالية أن تظهر مراكز توزيع الغذاء والتجمعات التي سيتم تجميع المدنيين فيها على أنها معسكرات اعتقال، أو أن يتم مقارنة الشركة الأمنية الأميركية التي ستشرف على توزيع المساعدات بشركة "بلاك ووتر"، وهي شركة مرتزقة أميركية ضالعة في جرائم بحق المدنيين في العراق.
وأكد التحقيق، أنه حتى في أعلى المستويات في الجيش الإسرائيلي، شكك ضباط كبار في الخطة، كما يقول أشخاص مطلعون على المداولات الداخلية، الذين تساءلوا حول ما إذا كانت الطوابير الطويلة في مراكز التوزيع ستؤدي إلى تدافع، وكيف ستعمل الشركة الأمنية إلى جانب الجيش الإسرائيلي، وما إذا كانت الخطة تخدم هدفًا سياسيًا أكبر يتمثل في احتلال غزة.
وقال خمسة أشخاص شاركوا في عملية التخطيط التي أنتجت مؤسسة غزة الإنسانية إنهم وافقوا في البداية على أهمية تطوير نموذج لإيصال المساعدات في غزة تدعمه إسرائيل، ولكن في نهاية المطاف ظهرت لديهم تحفظات أخلاقية. في كل حالة، قال هؤلاء الأشخاص إنهم شعروا بعدم الارتياح إزاء نموذج عسكري ينشر قوات أمن خاصة ويدقق في متلقي المساعدات باستخدام تكنولوجيا القياسات الحيوية وربما التعرف على الوجه.
كما شعر هؤلاء أيضًا أن خطة بناء أربعة مواقع توزيع فقط في جنوب غزة ستتطلب من المدنيين السفر لساعات للوصول إليها، أو حتى تسهيل حملة الجيش الإسرائيلي لدفع سكان غزة جنوبًا، وهو تكتيك قد يرقى إلى التهجير القسري، وهو جريمة حرب.
وردًا على أسئلة الصحيفة، قال متحدث باسم مؤسسة غزة الإنسانية إنهم حصلوا بالفعل على 100 مليون دولار من متبرع لم يكشف عن هويته، وإنه ”إنجاز كبير“ للمؤسسة أن تنتقل ”من فكرة إلى الموافقة إلى إيصال الطعام إلى أفواه الجياع“.
وزعم أن مؤسسة غزة الإنسانية "لن تشارك ولن تدعم أي شكل من أشكال إعادة التوطين القسري للمدنيين".
زعم المتحدث باسم مؤسسة غزة الإنسانية أن المؤسسة "لن تشارك ولن تدعم أي شكل من أشكال إعادة التوطين القسري للمدنيين"
وتابع مزاعمه بأن المؤسسة تضغط الآن على إسرائيل للسماح بفتح مراكز إضافية والسماح للمؤسسة بخدمة المدنيين في جميع أنحاء غزة. وادعى أنه "لا يوجد حدٌّ لعدد المواقع التي يمكن أن تفتتحها مؤسسة غزة الإنسانية أو مكانها، وأنهم يخططون لافتتاح مواقع إضافية في جميع أنحاء غزة“ على حد زعمه.
وقد بدأ المقاولون التابعون لقوة غزة الإنسانية في بناء المراكز، وقد وصل أفرادها المسلحون بالفعل إلى إسرائيل. ولا يزال من غير الواضح من الذي سيقدم المساعدات ويوزعها.
وقال العديد من مسؤولي وكالات الإغاثة غير الحكومية إنه في المحادثات مع مسؤولين أميركيين، أثيرت مسألة ”استعادة“ الولايات المتحدة للمساعدات الغذائية الإنسانية التي سبق أن اشترتها هذه الوكالات بأموال المساعدات الحكومية الأميركية لغزة، ولكنها لم توزع بعد بسبب الحصار الإسرائيلي، ليتم توزيع هذه المساعدات من قبل مؤسسة غزة الإنسانية بالإضافة إلى السلع التي سبق أن قدمتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مباشرة ولكن لم يتم توزيعها بعد.
وأوضح التحقيق، أن القائمين على الخطة أكدوا أن من المهم طمأنة سكان غزة بأنهم سيعودون في نهاية المطاف إلى منازلهم بمجرد أن يصبح الوضع آمنًا، ووضعوا قوائم بأسماء المؤثرين على إنستغرام وإكس من العالم العربي الذين ينبغي على مؤسسة غزة الإنسانية أن تستقطبهم كجزء من حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لبناء دعم شعبي للمشروع.
وللحصول على الدعم الدبلوماسي، اقترحت الخطة أن تتودد مؤسسة غزة الإنسانية إلى الدول الغربية مثل ألمانيا، وأن تعمل لإقناع فرنسا بعدم التدخل السياسي في غزة، وعمليات مؤسسة غزة الإنسانية.
وجاء في إحدى الوثائق التي استعرضتها واشنطن بوست، أنه على الرغم من تمتعهم ”بشراكة قوية“ مع المسؤولين الإسرائيليين وحصولهم على مدخلات من الجيش والمخابرات الإسرائيلية، إلا أنه ينبغي على مؤسسة غزة الإنسانية أن تتجنب الظهور بمظهر ”عميل للحكومة الإسرائيلية“، ولكن يجب أن تكون مستعدة للإجابة على أسئلة حول كيفية حصول ”منظمة غير حكومية لم يسمع بها من قبل على موافقات فريدة من نوعها من حكومة إسرائيل“.
ومع تصاعد معارضة المنظمات غير الحكومية، جادل بعض الإسرائيليين المشاركين في الخطة سرًا بأن الولايات المتحدة، وليس إسرائيل، يجب أن تحتل مركز الصدارة في الترويج لهذا المشروع، وشعروا بالارتياح عندما أصبحت إدارة ترامب واجهة له.
وأكدت واشنطن بوست أن الأسئلة حول تمويل مؤسسة غزة الإنسانية مازالت بدون إجابة، فقد رفضت دولة الإمارات، المدرجة في الوثائق على أنها أحد الممولين الرئيسيين للمؤسسة، التوقيع حتى الآن. بينما أصدرت خلال الأسبوع الحالي أكثر من 20 دولة من أوروبا وآسيا -بما في ذلك الجهات المانحة المحتملة مثل ألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي- بيانًا ينتقد خطة مؤسسة التمويل الدولية.
وأوضحت الصحيفة، أنه حتى داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، انتشرت تساؤلات حول جدوى الخطة، وآثارها الاستراتيجية والقانونية. وفي منتصف أيار / مايو ، اعترف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ، إيال زامير ، في محادثات خاصة بأنه لا يعرف بالضبط ما هي مسؤوليات المتعاقدين الأميركيين والجيش الإسرائيلي ، لكنه ظل ملتزمًا بتنفيذ الخطة التي وافقق عليها المستوى السياسي الإسرائيلي.
ونقلت عن أشخاص مطلعين على الأمر أن ضباطًا آخرين يشرفون على غزة شككوا في دور الأطراف الخارجية في جهود المساعدات. واعترف مسؤول عسكري إسرائيلي سابق شارك في صياغة الخطة بانقسامات عميقة داخل الجيش حول الخطة، وانتقد ضباط الجيش الإسرائيلي الذين قال إنهم "يريدون رؤيتها تفشل" لأسباب أيديولوجية.
قال الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إنه ليس لدى أيٍّ من السيناريوهات المقترحة فرصة للنجاح، وهذا الفشل يرجع لأسباب لوجستية وليس فقط إنسانية أو أخلاقية
وقال المسؤول العسكري السابق، في إشارة إلى نظام التوزيع الذي تقوده الأمم المتحدة: "هناك للأسف أشخاص في الجيش الإسرائيلي لا يريدون أن ينجح هذا الأمر ويفضلون أن يكون الوضع الحالي كما هو".
وقال تامير هايمان، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الذي تم إطلاعه على الخطط، إنه ليس لدى أيٍّ من السيناريوهات المقترحة فرصة للنجاح. وأضاف هايمان، الذي يقود الآن معهد دراسات الأمن القومي، أن مطالبة سكان غزة بالسفر لمسافات طويلة إلى مركز توزيع لالتقاط كيس من الطعام يزن 40 رطلاً عدة مرات في الأسبوع لا يمكن تنفيذه في قطاع غزة.
وتابع: "لنضع جانبًا القضايا الإنسانية، والقضايا الأخلاقية، ببساطة لا يمكن تنفيذ الخطة لأسباب لوجستية".