طوابير طويلة عادت للظهور أمام الصرافات الآلية عند فروع البنوك العاملة في الضفة الغربية، في محاولاتٍ لإيداع مبالغ مالية مستحقة عليهم لصرف شيكات، وسط رفض البنوك استقبال الودائع بعملة الشيقل.
أكدت سلطة النقد بأن المصارف الفلسطينية أصبحت غير قادرة على استقبال مزيد من النقد بعملة الشيقل بسبب عدم قدرتها على شحن فائض الشيقل إلى البنوك الإسرائيلية
واشتكى مواطنون في الأيام الأخيرة من وضع البنوك سقوفًا محددة لإيداع عملة الشيقل. أحد هؤلاء، التاجر مجدي الأسمر، الذي قال لـ "الترا فلسطين"، إن عليه التزامات مالية وشيكات مستحقة يجب أن يقوم بتغطيتها، إلا أن البنك الذي يتعامل معه لا يسمح بإيداع الأموال إلا بسقف أعلى 30 ألف شيقل، رغم أن ما عليه من التزامات أعلى من ذلك بكثير.
وأفاد الأسمر، أن هذا الأمر يدفعه لإيداع الأموال في حسابات إخوته، وهم بدورهم يقومون بتحويل الأموال إليه عبر التطبيق البنكي، أو يقوم بإيداع الأموال عبر الصراف الآلي بعد استحقاق موعد صرف الشيكات.
وأبدى الأسمر تخوفه من استمرار الأزمة، إذ إن لديه بضاعة مستوردة سوف تصل في قادم الأيام، ولن يتمكن من تحويل الأموال للخارج في حال استمرار رفض البنوك قبول الودائع بالشيقل، فهو يبيع ويشتري في السوق بعملة الشيقل، ولا يستطيع الإيداع إلا بالشيقل.
وكانت سلطة النقد الفلسطينية، أعلنت اليوم أن أزمة تراكم الشيقل في المصارف الفلسطينية وصلت إلى مستويات تهدد استمرار تمويل التجارة مع الجانب الإسرائيلي عبر القنوات المصرفية.
وأكدت سلطة النقد بأن المصارف الفلسطينية أصبحت غير قادرة على استقبال مزيد من النقد بعملة الشيقل بسبب عدم قدرتها على شحن فائض الشيقل إلى البنوك الإسرائيلية.
وفي السياق، أشار المحاضر الجامعي في الاقتصاد طارق الحاج، إلى أن أزمة رفض البنوك الإسرائيلية استقبال الشيقل من البنوك الفلسطينية ليست جديدة، بل هي أزمة قديمة متراكمة منذ فترة طويلة، ولم يتمكن الفلسطينيون من إيجاد حل لها، وبالتالي تحملت البنوك إلى الحد الأعلى.
وبيَّن طارق الحاج لـ "الترا فلسطين"، أن البنوك لم يعد لديها إمكانية لتخزين فائض الشيقل لديها، فالتخزين يحتاج إلى حيز مكاني جديد، وتكلفة حماية، وتكلفة تأمين، وكلما زادت المبالغ زادت هذه التكلفة.
وأوضح، أنه بالإضافة إلى ذلك هناك تكلفة على تجميد المال نتيجة عدم استخدام المال، "التعامل اليومي لدينا بعملة الشيقل، وما يزيد من الطين بلة، أن المؤسسات الحكومية نفسها في معاملاتها الرسمية مع المواطنين، تعلن عن قائمة أسعار للمعاملات بعملة الدينار، لكنها لا تأخذ من المراجعين إلا بعملة الشيقل، وبالتالي فهي تساهم في الأزمة".
لذا، قررت البنوك الفلسطينية تجميد أموالها، "فهي لا تستطيع أن تستقبل أكثر مما استقبلت حتى الآن، ولا يوجد أفق على المدى القريب لحل هذه المشكلة بين البنوك الفلسطينية ووزارة المالية الفلسطينية من جهة، والجهات المختلفة في الجانب الإسرائيلي من جهة أخرى"، يضيف الحاج.
ويؤكد أن عدم استقبال إسرائيل لفائض الشيقل في البنوك الفلسطينية، يأتي ضمن الضغوط التي تمارس على الفلسطينيين في الضفة الغربية.
وحول مدى تأثير هذه الأزمة؟ أجاب طارق الحاج، أن الحركة التجارية الخارجية سوف تنخفض، والكثير من التجار أصدروا شيكات مسحوبة على حساباتهم لدى تجار إسرائيليين، و"هؤلاء يستطيعون إيداع الأموال عند استحقاق قيمة الشيك لدى التاجر الإسرائيلي، وبالتالي فإن التاجر الفلسطيني سينكشف والعلاقة سوف تتوقف وتتأثر سمعة التاجر الفلسطيني".
وأضاف الحاج، أن تجميد الأموال، يمنع "خلق المال"، لأن هناك قاعدة اقتصادية تقول أن تنمية المال تأتي من خلال خلق المال وتحريكه، و"معنى ذلك أن مساهمة هذه البنوك في التنمية الاقتصادية سوف تتلاشى".
وأكد، أن التجارة البينية الداخلية الفلسطينية سوف تتأثر، إذ إن من يشتري بضاعة مثلًا من الخليل، يدفع شيكات بعد استلام البضاعة، ولن يستطيع التاجر تحصيل قيمتها، "بالتالي فإن الثقة بين التجار سوف تتلاشى".
"هذا كله، سوف يؤثر على الثقة من قبل البنوك بتعليمات سلطة النقد الفلسطينية، وثقة المواطن بالبنوك سوف تتزعزع، وهذا كله سوف يكون له تأثيرات اجتماعية ونفسية وتجارية داخلية وخارجية وتأثير على تمويل المشاريع"، بحسب الحاج.
أكد طارق الحاج، أن التجارة البينية الداخلية الفلسطينية سوف تتأثر بأزمة الشيقل، كما أن العلاقة بين التاجر الفلسطيني ونظيره الإسرائيلي ستتوقف، وحتى الحركة التجارية الخارجية سوف تنخفض
وفي بيانها قالت سلطة النقد، إن الشيقل تراكم في السوق الفلسطيني على مدار السنوات الماضية، وأن سقوف الشحن التي يضعها الجانب الإسرائيلي لم تستجيب للزيادة الطبيعية في حجم الاقتصاد الفلسطيني خلال هذه السنوات، وإن السقوف الحالية تَحول دون قدرة المصارف الفلسطينية على شحن فائض الشيقل وتغذية حساباتها بما يُسهم في تمويل عمليات التجارة وتسوية الالتزامات بين الجانبين.
وأكدت سلطة النقد، أن المصارف الفلسطينية تحمّلت وتتحمل أعباء مالية كبيرة نتيجة عدم قدرتها على شحن فائض الشيكل، كما يتحمل المواطن أعباءً إضافيّة بسبب عدم قدرته على تنفيذ عملياته المالية من خلال المصارف بعملة الشيقل، ولجوء بعض العملاء إلى بيع الشيقل وشراء عملتي الدينار والدولار مما أدى إلى خلق سوق سوداء لتجارة العملة.
وحذرت سلطة النقد من أن استمرار الأزمة من شأنه التأثير سلبًا على السيولة اللازمة لتمويل التجارة محليًا وخارجيًا، منذرة بتراجع إضافي في الأداء والنشاط الاقتصادي في دولة فلسطين.
وأشارت سلطة النقد إلى أنها خاطبت كافة الجهات ذات العلاقة للمساعدة في شحن فائض الشيقل المتراكم في السوق الفلسطيني دون تحقيق نتائج إيجابية لغاية الآن، مضيفة أن الأمر يستدعي تحركًا دوليًا عاجلاً لإيجاد حل جذري لتراكم الشيكل في السوق الفلسطيني، وحث الجانب الإسرائيلي على الوفاء بالتزاماته تجاه عملته والسماح بشحن فائض الشيقل إلى البنوك الإسرائيلية.