أعلنت الحكومة الفلسطينية، من جديد، عن صرف رواتب منقوصة لموظفيها بنسبة لا تقل عن 70%، وبحد أدنى 3500 شيقل. ومع استمرار القرصنة الإسرائيلية على أموال المقاصة الفلسطينية، وتوقّف الدعم المالي الدولي، ووصول الاقتراض الحكومي من المصارف المحلية إلى الحد الأعلى؛ تضيق خيارات الحكومة الفلسطينية. ولكن، كيف أمّنت الحكومة الرواتب لهذا الشهر؟
إذا أرادت السلطة أن تستمر في دفع 70% من الراتب وبحد أدنى 3500 شيقل، يجب أن يتوفر لديها 890 مليون شيقل شهريًا.
يقول عضو الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة مؤيد عفانة، لـ"الترا فلسطين"، إن ما جرى هذا الشهر هو تجميع الحكومة لمبلغ الرواتب من عدة موارد تمويل؛ أولها تحويل إسرائيل لأموال المقاصة بعد الاقتطاعات منها، وثانيها من الإيراد المحلي للحكومة.
قرض جارٍ مدين دوار من البنوك المحلية
بحسب عفانة، فإن المصدر في تكملة الرواتب هو أخذ قرض جارٍ مدين دوّار من البنوك المحلية. وهذا الخيار مطروح ضمن القانون، رغم وصول الاقتراض إلى الحد الأعلى، ولكن بشرط أن يتم سداده خلال العام، بحيث لا يزيد رصيد الاقتراض في نهاية العام عن بدايته.
لكن عفانة نوّه إلى أن الحكومة لن تستمر في تأمين الرواتب بنفس نسبة هذا الشهر، إن لم يكن هناك دعم خارجي، أو انفراجة في قضية المقاصة، فهي لن تستطيع الحصول على قرض جاري مدين دوّار؛ لأنها مطالبة بسداده في الشهر القادم، ومع الوقت تنفذ هذه المرونة.
اقتطاعات جديدة من أموال المقاصة
وأوضح عفانة أن قيمة المقاصة التي جرى تحويلها من "إسرائيل" هي 270 مليون شيقل، بعد أن تم اقتطاع أموال تحت بنود جديدة، وهي؛ اقتطاع أموال قطاع غزة، ورواتب الشهداء والأسرى، وصافي الإقراض. علمًا أن الموازنة في الظرف الطبيعي كانت تصل إلى مليار شيقل، وبعد بدء الحرب انخفضت إلى حد أدنى يبلغ 800 مليون شيقل، لذا فإن قيمة ما يُحوّل منها بعد الاقتطاعات تمثل نسبة 30%.
وحول خيارات الحكومة للأشهر القادمة، في ظل استمرار الوضع الحالي؛ فيرى عفانة أن المطلوب هو توفير شبكة أمان عربية، وهو ما يسعى إليه حاليًا نائب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ.
الحكومة تشكل لجنة لدراسة تقليل تأثر اقتطاعات المقاصة
كشف عفانة أن الحكومة، من خلال رئيسها محمد مصطفى، شكّلت لجنة من القطاع الخاص والقطاع المدني والحكومة، من أجل دراسة آليات للتقليل من تأثير اقتطاعات المقاصة.
منحة الاتحاد الأوروبي لن تساهم بالحل
وبشأن التمويل الأوروبي، أفاد عفانة أن هذا التمويل سوف يمر في النهاية عبر البرلمان الأوروبي، ولكن التمويل لن يكون كبيرًا؛ فهو 1.6 مليار يورو ولمدة 3 سنوات، موزعة على 620 مليون يورو للرواتب أو الخزينة العامة، و576 مليون يورو لمشاريع تطويرية في مجالات الصحة والكهرباء والطاقة والمياه، و400 مليون يورو على شكل تسهيلات بنكية للقطاع المصرفي والقطاع الخاص.
بالتالي، فإن حصة الموازنة العامة المباشرة، وفق ما أوضح عفانة، هي 620 مليون يورو لمدة 3 سنوات، أي بمعدل 206 ملايين يورو سنويًا، وهو مبلغ زهيد مقارنة باحتياجات السلطة.
وفي هذا السياق، أكّد عفانة أن السلطة، إذا أرادت أن تستمر في دفع 70% من الراتب وبحد أدنى 3500 شيقل، يجب أن يتوفر لديها 890 مليون شيقل شهريًا. وبالتالي، فإن ما يأتي من المقاصة بالإضافة إلى الإيراد المحلي والقرض الجاري المدين، يمكن أن يُمكّن الحكومة من الاستمرار، ولكن مع الوقت سوف تقلّ مرونة عملها، لذلك هي بحاجة للدعم الخارجي أو التخفيف من أثر اقتطاعات المقاصة من خلال الإصلاحات الداخلية والتقليل من النفقات التشغيلية.
الحكومة لجأت للتسويات مع الهيئات المحلية وشركات التوزيع
قال عفانة إن من ضمن القضايا التي تعمل عليها الحكومة، في إطار الإصلاح الداخلي؛ القيام بتسويات مع جميع الهيئات المحلية وشركات توزيع الكهرباء والمياه؛ لأن "إسرائيل" تخصم شهريًا ما بين 100–150 مليون شيقل بدل كهرباء وماء، وتُدرج ضمن بند "صافي الإقراض".
وتابع عفانة أن معدل المقاصة سيتحسن إذا تمكنت الحكومة من إلزام البلديات بدفع ما عليها أولًا بأول؛ ففي هذه الحالة لن تخصم "إسرائيل" هذه الدفعات من أموال المقاصة.
46 هيئة محلية اتفقت مع الحكومة على التسوية
في المقابل، تردّ البلديات على ذلك بأن لها مستحقات مالية على الحكومة. فيما قال عفانة إن الحكومة قامت بعمل تسويات مع 46 هيئة محلية، على أساس أن الدين السابق يُحسب فيه ما لها وما عليها، على أن تلتزم الهيئات المحلية من الآن فصاعدًا بسداد دفعتها الشهرية.
وأكد عفانة أن التزام الهيئات المحلية وشركات التوزيع بالدفع، سوف يمنح الحكومة مرونة أكبر لرفع ما يُحوّل إليها من إيرادات المقاصة بنحو 100 مليون شيقل شهريًا، بدل صافي الإقراض.