Bisan

في غزة.. صحافة مثقلة بالوجع وصحفيون على خط النار

Soruce تقارير
في غزة.. صحافة مثقلة بالوجع وصحفيون على خط النار
أحمد الأغا

أحمد الأغا

صحفي من غزة، مهتم بالقضايا الاجتماعية

على مدار 19 شهرًا من حرب الإبادة الإسرائيلية لقطاع غزة، ارتقى 212 صحفيًا وصحفية، بعضهم احترقت أجسادهم بالنيران التي أشعلتها الصواريخ التي استهدفتهم بشكل مباشر ومخطط له، ما جعل هذه الحرب هي الأكثر فتكًا بالصحفيين في العالم.

وإلى جانب استهدافهم بالقتل والإصابة والاعتقال، عاش صحفيو غزة النزوح مثل أكثر من مليوني محاصَرٍ آخرين، عدا عن تدمير المؤسسات التي يعملون بها، ونقص معدات التغطية وتهالك معظمها جراء الحصار المُطبق، فضلاً عن انقطاع الكهرباء وخدمات الإنترنت وافتقار معظمهم لأدوات السلامة المهنية وغياب الحماية الدولية.

عبد الله مقداد: غطيت العدوان الإسرائيلي أربع مرات، وأحداث مفصلية من بينها أحداث الانقسام، لكن هذه الحرب كانت مختلفة، من حيث طبيعة التغطية وأمدها الذي طال

عبدالله مقداد، مراسل التلفزيون العربي، عمل لأكثر من عقدين في المجال الصحفي، ويؤكد أنه لم يشهد مثل ضراوة هذه الحرب من قبل، فيقول: "غطيت العدوان الإسرائيلي أربع مرات، وأحداث مفصلية من بينها أحداث الانقسام، لكن هذه الحرب كانت مختلفة، من حيث طبيعة التغطية وأمدها الذي طال".

ويضيف عبد الله مقداد لـ الترا فلسطين، أن من جملة التحديات التي واجهته في هذه الحرب توفير مكان للتغطية يكون أقل خطورة؛ "لأن المستشفيات التي اعتقدنا أنها آمنة، لم تسلم من القصف، ولم يكن بيننا وبين الموت فيها إلا أمتارًا معدودة".

عبد الله مقداد

وكغيره من أبناء قطاع غزة، يعاني عبد الله مقداد من المجاعة، ويوضح أن "تأمين الطعام والشراب واحتياجات الأسرة، أصبح معركة يومية للبقاء، ولم يعد لدينا فيها ترف الاختيارات".

في خضم عمله والأحداث المتلاحقة من داخل مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط القطاع، لم ينسَ مقداد فجر يوم الثامن من أكتوبر في بداية الحرب، حينما علم بقصف منزلٍ مجاور لمنزل عائلته، لتمرَّ الدقائق التي فصلت بين خروجهم من تحت الأنقاض واطمئنانه عليهم ثقيلة كأنها ساعات، كان فيها التردد سيد الموقف بين إكمال التغطية أو تفقُّد عائلته.

شريط الذكريات المؤلم

القصف الأخير لخيام الصحفيين بجوار مجمع ناصر الطبي، عاد بذاكرة مقداد للحريق الكبير الذي نشب في مخيم الصحفيين بمستشفى شهداء الأقصى، نتيجة قصف إسرائيلي للمخيم قبل عدة أشهر، "وبسببه احترقت خيام زملائي وكان لهيب النيران على مقربة من خيمتنا، ورغم أنه كان تاسع الاستهدافات إلا أنني كنت أشعر في كل مرة بميلادٍ جديد يكتب لي من موت مُحقق". ويضيف مقداد: "أصعب ما يمكن تخيله أن  تلتهم النار جسد إنسان وأنت مكبلاً بالعجز لا تستطيع فعل أي شيء".

مقداد، الذي أثار تقرير له عن مجزرة في مدينة المغازي استندت له صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في تقريرها المكتوب معتمدة على شهود الناجين الذين قابلهم في تقريره، ثم لاحقًا أُجبر الجيش على الاعتذار، يرى بأن صوت الصحفي الفلسطيني مسموع ويصل للعالم قائلاً:  "لم نفقد الأمل بأن هذا الصوت سيصل، ونحاول دومًا قرع جدار الخزان، وما نفعله على الأقل توثيق للتاريخ، فلا يجب أن تموت الضحية ولا تجد من يروي حكايتها".

صحفية وأم ونازحة

من جانبها، ربا العجرمي، مراسلة قناة TRT  عربي، منذ لحظات الحرب الأولى، ترافقت تغطياتها مع أصوات القصف المتكرر، ورحلة النزوح المستمر وما تخللها من مآسٍ وهموم. وتقول إن "معاناتنا كصحفيين لا تنتهي من تجارب الحرب القاسية، بما فيها التنقل في أجواء الخطر، وترك المنزل فتراتٍ طويلة، والحرمان من أدنى الاحتياجات الأساسية، ورغم أنها حرب تستهدف الوجود الفلسطيني ككل، لكنها كانت أكثر شراسة على الصحفيين بحكم تواجدهم الدائم في ميدان العمل".

ربا العجرمي

وتضيف الصحفية الأم، لـ الترا فلسطين أن الصحفيين في غزة "يواجهون خطر الموت يوميًا واستهداف الصحفيين، ومخاوفنا كصحفيات أشد وأكبر كون الصحفية في نهاية المطاف أم، ولديها التزامات أسرية، وبالتالي يجب أن توازن بين متطلبات عائلتها وبين عملها في بيئة أكثر خطورةً وتعقيدًا".

وترى ربا العجرمي أن الاحتلال "يتعامل مع الصحفي على أنه يمثل هدفًا واضحًا وعسكريًا، ولن يتردد في ارتكاب مجزرة لاغتيال صحفي وإسكات صوته، لأنه الأقدر على فضح جرائم الاحتلال ونشرها للعالم، وهو مالا يريده الاحتلال".

 ربا العجرمي: الاحتلال يتعامل مع الصحفي على أنه يمثل هدفًا واضحًا وعسكريًا، ولن يتردد في ارتكاب مجزرة لاغتيال صحفي وإسكات صوته

وتعتقد العجرمي أن الصحفي الفلسطيني استطاع بكل اقتدار أن يغيّر نظرة المجتمعات الغربية وصنّاع القرار فيها تجاه مظلومية الفلسطينيين في غزة، لأنهم شاهدوا الصورة بكل إنسانيتها وحقيقتها دون تزييف، "وهذا يرجع لجرأة الصحفيين وشجاعتهم في نقل حقيقة ما يجري".

إنقاذٌ لم يكتمل

أما الصحفي عبدالرؤوف شعث، فما زالت ماثلة أمام عينيه صورة الحريق الذي شبَّ في مخيم الصحفيين بمستشفى ناصر في 7 نيسان/أبريل الماضي، وراح ضحيته الصحفي حلمي الفقعاوي وأحمد منصور حرقًا. يقول شعث لـ الترا فلسطين: "في حوالي الساعة الثانية فجرًا من ذلك اليوم فزعت من نومي على صوت انفجار هزّ المكان، وخرجت مسرعًا بكاميرتي لتغطية الحدث المُتوقع، ولم أدرك مكان وقوعه".

عبد الرؤوف شعث

بكثير من الأسى يتابع شعث: "لم أتخيل أن خيمة زملائي تحترق، وتركت الكاميرا لأن واجبي الإنساني كان بداية في محاولة انقاذ زملائي من النيران التي اشتعلت في خيمتهم".

عبد الرؤوف شعث، الذي خاطر بروحه لإنقاذ الشهيد الصحفي أحمد منصور، لم يتمالك نفسه حين روى القصة، وبدأت الدموع تذرف من عينيه، "فالنار شبَّت في صدري قبل أن تشتعتل في جسد زميله منصور وشاهدها كل العالم" كما يقول. 

تعتيم مُتعمّد

ويحذِّر نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين، تحسين الأسطل، من خطورة حجم الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون الفلسطينيون خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، مؤكدًا أن هذه الاعتداءات باتت تهدد كل ما يتعلق بالعمل الصحفي.

وقال تحسين الأسطل لـ الترا فلسطين، إنّ استشهاد 212 صحفي من أصل 1050 في غزة يمثل رقمًا صادمًا لا مثيل له في تاريخ الحروب منذ نشأة مهنة الصحافة، بما فيها الحربان العالميتان الأولى والثانية، مشددًا أن ما يتعرض له الصحفيون الفلسطينيون يرتقي إلى مستوى جرائم الحرب غير المسبوقة.

وأشار الأسطل لما نشرته مصادر إعلامية إسرائيلية بأن سلطات الاحتلال منعت نحو أربعة آلاف صحفي أجنبي، بينهم أكثر من 800 صحفي أميركي، من دخول قطاع غزة لتغطية الأحداث الجارية فيه، في محاولة لفرض تعتيم إعلامي خانق.

تحسين الأسطل: استشهاد 212 صحفي من أصل 1050 في غزة يمثل رقمًا صادمًا لا مثيل له في تاريخ الحروب منذ نشأة مهنة الصحافة، بما فيها الحربان العالميتان الأولى والثانية

وأوضح  تحسين الأسطل، أن نقابة الصحفيين وثّقت جميع هذه الانتهاكات بالأدلة القانونية، وفق متطلبات المحكمة الجنائية الدولية، لإثبات مضيّ الاحتلال في ارتكاب جرائم حرب ممنهجة ضد الصحفيين، مشيرًا إلى أن النقابة تجري تنسيقًا مكثفًا مع كافة الهيئات والاتحادات الصحفية العربية والدولية، لإطلاعهم على حجم الاعتداءات المُرتكبة من الاحتلال، عبر السعي الجاد لمحاسبة قادته أمام المحاكم الدولية.

وأكد الأسطل أن الاحتلال يسعى من خلال استهداف الصحفيين إلى تحويل قطاع غزة إلى "صندوق أسود مغلق"، لمنع العالم من رؤية الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين.

وفي اليوم العالمي لحرية الصحافة، وجه تحسين الأسطل رسالة للصحفيين الفلسطينيين بمواصلة مسيرتهم المُشرّفة في تغطية مجريات الحرب وفضح جرائم الاحتلال، وتأدية واجبهم المهني والأخلاقي والإنساني. ودعا، الهيئات الإعلامية الدولية، والمنظمات الحقوقية والإنسانية، إلى ممارسة ضغط حقيقي وفاعل على الاحتلال، لفتح المجال أمام وسائل الإعلام الدولية للدخول إلى القطاع وكشف الحقيقة أمام الرأي العام العالمي.