في مطلع تموز/يوليو عام 2000، عقد المجلس المركزي دورة في مدينة غزة، مع استمرار جمود مفاوضات الوضع النهائي، وبينما كان يتوقع من المجلس إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، إلّا أنه لم يأخذ قرارًا بذلك، كما لم يأخذ قرارًا بتأجيل الإعلان. وهو ما تكرر في دورة تشرين الأول/أكتوبر من العام ذاته، قبيل أيام من اندلاع الانتفاضة الثانية.
وبما يشابه سياق عقد المجلس المركزي الحالي، الذي كان أبرز انتقادات الفصائل له، موعده الذي جاء بعد 18 شهرًا من اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فإن الدورة التي تلت ما سبق، في الانتفاضة الثانية، جاءت في آذار/مارس 2023، وعقدت في رام الله، وغاب عنها 9 أعضاء بسبب الاعتقال في السجون الإسرائيلية.
قرارات تتخذ بالإجماع دون تنفيذ.. ما هي أزمة المجلس المركزي الفلسطيني؟
وبحسب الملخص الرسمي للاجتماع وقتها، فقد "استمع أعضاء المجلس المركزي إلى عدة تقارير من اللجنة التنفيذية حول الحوار الوطني ولجنة الدستور وتفعيل المنظمة وخطة الإصلاح". وكانت إحدى مخرجات المجلس "الموافقة على قرار الرئيس ياسر عرفات ومصادقة اللجنة التنفيذية على استحداث منصب رئيس وزراء للسلطة والطلب من المجلس التشريعي اتخاذ الإجراءات القانونية لتضمين النظام الأساسي للمواد اللازمة لهذا الموضوع، وقد وافق المجلس المركزي على ترشيح الرئيس ياسر عرفات، محمود عباس أمين سر اللجنة التنفيذية لمنصب رئيس الوزراء".
ولم يعد المجلس المركزي الفلسطيني للانعقاد مرة أخرى، إلّا مع أحداث الانقسام، إذ عقدت جلسة في حزيران/يونيو وأخرى في تموز/يوليو 2007، التي تعرضت فيها حركة حماس إلى هجوم مشابه للذي كرره الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في اجتماع المجلس المركزي، يوم أمس. وفي الاجتماعات تكرر الحديث عن تفعيل لجنة الدستور والعمل على إعداده، هو بند ذُكر من قبل في الجلسات التي عقدت قبل 7 أعوام، ولم يتحقق حتى الآن.
اقرأ/ي: خاصّ | اجتماع بلا حوار: المجلس المركزي يتفرّد ويُقصي
خاصّ | الجبهة الديمقراطية تنسحب من دورة المجلس المركزي وتقترح خارطة طريق للوحدة
وبالتزامن مع "صفقة ترامب - نتنياهو" أو ما عُرف إعلاميًا باسم "صفقة القرن"، عقدت 3 جلسات للمجلس المركزي في عام 2018، كانت الأولى في كانون الثاني/ديسمبر، وبعد التأكيد على رفض صفقة القرن، أصدر المجلس المركزي عدة قرارات، من بينها ما صيغ تحت عنوان "إعادة صياغة العلاقة مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي"، قائلًا: "يؤكد المجلس المركزي الفلسطيني أن علاقة شعبنا ودولته مع حكومة إسرائيل القائمة بالاحتلال، علاقة قائمة على الصراع بين شعبنا ودولته الواقعة تحت الاحتلال وبين قوة الاحتلال".
وحينها، أقر المجلس المركزي التوصيات المقدمة له من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بـ"تنفيذ قرارات المجلس الوطني وتقديم مشروع متكامل مع جداول زمنية محددة يتضمن تحديدًا شاملًا للعلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع سلطة الاحتلال إسرائيل، وبما يشمل تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ووقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله، والانفكاك الاقتصادي على اعتبار أن المرحلة الانتقالية وبما فيها اتفاق باريس لم تعد قائمة، وعلى أساس تحديد ركائز وخطوات عملية للبدء في عملية الانتقال من مرحلة السلطة إلى تجسيد استقلال الدولة ذات السيادة".
وفي دورة تالية في نفس العام، في آب/أغسطس، بينما أكد المجلس "التمسك بالوحدة الوطنية"، فقد كلف بـ"تعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود عام 1967 وإلغاء قرار ضم القدس الشرقية ووقف الاستيطان". وجدد قراره بـ"وقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله، وبالانفكاك من علاقة التبعية الاقتصادية التي كرسها اتفاق باريس الاقتصادي، وذلك لتحقيق استقلال الاقتصاد الوطني، والطلب من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومؤسسات دولة فلسطين البدء في تنفيذ ذلك". وكانت بنود مشابهة في الدورة تكررت في دورة المجلس التي عقدت في تشرين الأول/أكتوبر.
ورغم وقف التنسيق الأمني في منتصف عام 2020، على خلفية صفقة القرن وخطة الضم الإسرائيلية، إلا أن السلطة الفلسطينية، أعلنت عن إعادته قبل نهاية العام نفسه. لكن في دورة المركزي الـ31، التي عقدت في شباط/فبراير 2022، تكررت نفس القرارات تقريبًا، مثل "تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل لحين اعترافها بدولة فلسطين"، ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.
تظهر المراجعة التاريخية السريعة والموجزة، تقاطع الإشكاليات بين دورات المجلس المركزي، لناحية الانعقاد المتأخر، أو الانشغال الكبير في الأزمات الداخلية، وصولًا إلى اتخاذ قرارات دائمة، دون تطبيقها.
تغطية القرارات
وفي تعقيبه على جلسات المركزي التي تُعقد مع قرارات متكررة، قال عضو المجلس الوطني الفلسطيني، نهاد أبو غوش، والذي شارك في عدة جلسات للمجلس الوطني والمركزي، لـ"الترا فلسطين"، إن من يتابع هذه الاجتماعات يرى السهولة التي تُتخذ فيها القرارات، تقريبًا بالإجماع، وفي الكثير من دورات المجلس المركزي السابقة، أُخذت القرارات بشأن العلاقة مع إسرائيل بدرجة عالية من الإجماع والتوافق، وكذلك الأمر في المجلس الوطني، لكن المشكلة أن القرارات توضع في الأدراج، والتنفيذ محصور في يد حلقة ضيقة مكونة من الرئيس وعدد من المحيطين به.
وأضاف أبو غوش أن هناك حالة من الشلل التام لهذه الهيئات والمؤسسات، وكلها لا تأخذ دورها، موضحًا: "لا اللجنة التنفيذية، ولا المجلس المركزي، ولا حتى اللجنة المركزية لحركة فتح، ولا الحكومة"، وتابع: "إذا دققنا، سنجد أن الكثير من القرارات تُؤخذ خارج إطار الحكومة، من خلال أطر موازية".
وأشار عضو المجلس الوطني إلى أن "المشكلة الأساسية تكمن في أن النظام السياسي الفلسطيني بات يتجه أكثر فأكثر نحو أن يكون نظامًا فرديًا"، وحول النظام السياسي أوضح أنها كلمة مجازية؛ لأننا تحت احتلال، ولكن الكلمة تشمل السلطة الفلسطينية والحركة الوطنية الفلسطينية، التي باتت القرارات بشأنها تُؤخذ في مراسيم رئاسية، وأحيانًا هذه المراسيم يُجري تفصيلها وتوضيبها بناءً على مصلحة عينية في لحظتها، وكذا الأمر مع الهيئات، مثل المجلس الوطني والمجلس المركزي، وتحديدًا الأخير، يُستدعى عند الحاجة، والحاجة هي التغطية على قرار يُراد اتخاذه، وبدلًا من أن يكون قرارًا فرديًا، يُغطى باجتماع مجلس مركزي.
وحول الدورة الحالية من المجلس المركزي التي استُحدث فيها منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية، قال أبو غوش: إنه في هذه الدورة، هناك جدول طويل للأعمال يتكوّن من سبع نقاط، ولكل نقطة فروع. لكن المسألة الرئيسية هي انتخاب نائب رئيس اللجنة التنفيذية، واتخاذ خطوات تستجيب بها السلطة للضغوط الخارجية لإصلاح النظام السياسي الفلسطيني. وهذا الأمر قيل في كلمة الرئيس عباس في القمة العربية الطارئة، وأُبلغ لمندوبي الدول الداعمة، سواء من الإقليم أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة. وتابع: "لهذا السبب، المؤسسات مشلولة، والقرار الوطني لا يُؤخذ فيها".
أما عن الجلسة الأخيرة للمركزي وانعكاسها على المؤسسات الوطنية، قال أبو غوش إن هذه الدورة الأخيرة ستُوسع الشرخ القائم بين أطراف الحركة الوطنية، إذ إن هناك فصائل رئيسية قاطعت الدورة، وجرى استعداؤها والهجوم عليها بطريقة غير لائقة في الكلمات التي قيلت، وهذا الأمر سيزيد الشرخ، وسيُقدَّم الشعب الفلسطيني للعالم والمحتل على أننا منقسمون، وإذا كان البعض يعتقد بأنه يسجل نقاطًا في مواجهة الخصم، فإن الحرب على الشعب كله.
وأضاف: "أي نقطة تُسجل على الخصم، تُستنزف من رصيد الشعب الفلسطيني، وليس من رصيد حماس أو فتح، وأي مساس بحماس الآن يمس الشعب الفلسطيني، وكذلك الأمر لفتح. ونتنياهو يقول بصراحة إنه لا يريد حماسستان ولا فتحستان، وربما هناك أوهام لدى البعض في السلطة، بأنه كلما تم التجاوب مع الضغوط الخارجية، ومع المطالب الأميركية والأوروبية، كلما كانوا أكثر قبولًا، لكن الواقع يُثبت عكس ذلك. إسرائيل لا تريد أي هيئة ترمز لوحدة الشعب الفلسطيني، لا بقيادة فتح ولا حماس، ولا أي رمز من رموز التعايش مع الخطط الأميركية. إسرائيل تريد تفتيت الشعب الفلسطيني إلى مجاميع سكانية، وليس مجاميع شعبية".
وعن ارتباط استحداث منصب نائب اللجنة التنفيذية وما يُعرف بترتيبات "اليوم التالي"، استبعد أبو غوش تحقيق أي جدوى من ذلك، مشيرًا إلى أنه قد يلبي بعض المطالب العربية، وربما بعض الأطراف العربية ترى فيها بادرة تشجيعية، ولكن المشروع أكبر من مجرد تعديلات. وتساءل: "أي إصلاح تطالب به أميركا والغرب وإسرائيل؟"، مضيفًا: "وأي مطالب من هذا النوع يجب علينا البحث عن يد إسرائيل فيها.. هل إسرائيل معنية بإصلاح المنظمة؟ بل بالعكس، إسرائيل ربما هي التي خططت وساعدت على تفشي الفساد في مؤسسات السلطة. وأعتقد أن هذا الأمر مبني على وهم، وله بديل، أي التوجه إلى بديل وطني، والعودة إلى الوحدة، والاتفاق على برنامج عمل وطني مشترك، لكن هذا البرنامج له كلفة عالية، وربما يمس امتيازات ومصالح بعض الفئات التي تستأثر وتُهيمن على القرار، وليست معنية بخسارة امتيازاتها التي راكمتها خلال سنوات الاستفراد بالقرار".
اقرأ/ي: اجتماع المجلس المركزي: غياب الأولويات واختزال في استحداث منصب نائب رئيس التنفيذية
اجتماع المجلس المركزي: استبدال أسماء وزيادة في الكوتا وإضافة أعضاء لاستكمال النصاب
قرارات بدون آليات تنفيذ
من جانبه، قال القيادي في حركة فتح ورئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين السابق، قدورة فارس، إن "القرار الأساسي للحركة الوطنية الفلسطينية هو تحرير فلسطين، وحتى الآن لم تتحرر فلسطين، رغم أن الإرادة موجودة، لكن الظروف المحيطة وطبيعة العدو غير ذلك".
وأفاد فارس في تعقيب لـ"الترا فلسطين"، بأنه في أي قرار يُتخذ، يُفترض أن تقوم الأجسام التنفيذية بوضع الآليات وتتابع التنفيذ، مضيفًا: "أي قرارات ذات طابع سياسي ووطني لا يمكن أن ترى النور ما لم يتعاون الجميع في تحقيقها".
وتابع قدورة فارس بالقول: "نحن شعب يخوض صراعًا مريرًا مع عدو يتمتع بإمكانيات هائلة، وبالتالي، كفلسطينيين، مطلوب منا بذل جهد مضاعف لتحقيق أي هدف، صغر أم كبر".
وختم بالقول: "طالما ظلت حالة الانقسام، سيكون من الصعب تحقيق أي هدف وطني"، مضيفًا أن "اتخاذ قرارات دون وضع آليات جدية وتوفر إرادة لتنفيذها، يُكرس ثقافة لدى الشعب الفلسطيني بأن هذه القرارات مثل قرارات جامعة الدول العربية وقرارات بعض الأجسام الدولية كالأمم المتحدة وغيرها، والمفروض أن لا ينطبق الأمر علينا في الساحة الفلسطينية".