Bisan

البؤر الرعوية: استيطان بسيط في الشكل خطير في الأثر

Soruce تقارير
البؤر الرعوية: استيطان بسيط في الشكل خطير في الأثر
أنس أبو عرقوب

أنس أبو عرقوب

صحفي مختص بالشأن الإسرائيلي

برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة البؤر الاستيطانية الرعوية في الضفة الغربية، التي تعتمد على أدوات بسيطة مثل الخيام والماشية، لكنها تُخفي مشروعًا استيطانيًا يهدف إلى طرد الفلسطينيين من أراضيهم في الضفة الغربية، وإعادة رسم خريطة السيطرة. 

تقرير جديد يكشف عن توسّع البؤر الاستيطانية الرعوية في الضفة الغربية، التي تعتمد على أدوات بسيطة لطرد الفلسطينيين والسيطرة على أراضيهم

تقرير "السامري الشرير" الصادر عن حركتي "السلام الآن" و"كرم نابوت" كشف عن إنشاء 70 بؤرة رعوية جديدة منذ منتصف 2022، بدعم من حكومة نتنياهو–سموتريتش–بن غفير.

وتنقسم هذه البؤر الاستيطانية إلى ثلاثة أنماط: مركزية يتركّز نشاطها حول الرعي، وفرعية تخدم أغراضًا توسعية للبؤر الأكبر، وزراعية تُستخدم كمراعي مؤقتة أو كمواقع غير مأهولة تخدم هدفًا تكتيكيًا: منع الفلسطينيين من التواجد. ليست هذه البؤر عشوائية كما تبدو، بل تخضع لتخطيط محكم، وتُستخدم لتوسيع نطاق السيطرة الفعلية على الأرض بطرق تتجاوز القانون والرقابة الدولية.

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Ultra Palestine - الترا فلسطين‎‏ (@‏‎ultrapalestine‎‏)‎‏

وبعد السابع من أكتوبر 2023، استغل المستوطنون انشغال جيش وحكومة الاحتلال، لتسريع إنشاء بؤر جديدة، معتمدين على أدوات تكنولوجية متقدّمة مثل الطائرات المسيّرة والكاميرات لترهيب الفلسطينيين ومنعهم من دخول أراضيهم، حتى المناطق التي لا يسكنها المستوطنون تُدار وكأنها مواقع عسكرية مغلقة، تُرصد من بعيد وتُدار عن بُعد، وبدل أن تكون حالة الطوارئ ظرفًا استثنائيًا، تحوّلت إلى غطاء لتوسيع الاستيطان بشكل عدواني وصامت في الوقت نفسه.

البؤر الرعوية ليست عشوائية كما تبدو، بل تُدار بتخطيط محكم لتوسيع السيطرة على الأرض بطرق تتجاوز القانون الدولي

ووثق التقرير تهجير تجمعات فلسطينية مثل "رأس التين" و"عين سامية"، حيث أُجبر المستوطنون، السّكان على الرحيل تحت وطأة العنف المستمر، ليُستبدل وجودهم ببؤر استيطانية جديدة، مثل "مزرعة ميخا".

وبالطبع لم تتوقّف اعتداءات المستوطنين عند منع الرّعي، بل وصلت إلى اقتحام المساكن، وضرب السكان، ورشّهم بالغاز، بحماية مباشرة من جنود الاحتلال. وما حدث في "رأس التين" تكرر في تجمّعات أخرى مثل ودادي، وعين سامية، وخربة الرظيم. حيث تُقام بؤرة رعوية قريبة، ويتصاعد عنف المستوطنين، ثم يُجبر السكان على الرحيل، غير أنّ الجديد في هذا التهجير أنه لم يعد يرتبط بقرارات قضائية أو عمليات إخلاء عسكرية، بل يتم تنفيذه من قبل المستوطنين أنفسهم، ما يعني أن التهجير بات عملية شعبية–مدعومة ضمنيًا من الدولة الإسرائيليّة.

ولم يتوقف الأمر عند الطرد، بل تلاه مباشرة إحلال استيطاني. إذ يُوثق التقرير إقامة 14 بؤرة جديدة في نفس المواقع التي طُرد منها الفلسطينيون. مثلًا، أُقيمت "مزرعة ينون" الاستيطانية على أنقاض تجمع "البقعة"، وأُنشئت "مزرعة دروما" الاستيطانية قرب موقع "أم دوريت" بعد التهجير. وفي حالات أخرى، استولى المستوطنون على مبانٍ فلسطينية داخل محميات بيئية أو مناطق مصنّفة (ب)، وهي في الأصل تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.

البؤر الرعوية الاستيطانيّة باتت تُسيطر على نحو 786,000 دونم في الضفة الغربية، معظمها أراضٍ فلسطينية خاصة أو مناطق إعلان عسكري

يُقدّر التقرير أنّ البؤر الرعوية الاستيطانية باتت تُسيطر على نحو 786,000 دونم من أراضي الضفة الغربية. لكن الأخطر أن معظم هذه الأراضي لا تقع ضمن ما يُسمى "أراضي دولة". فـ41% منها مناطق إعلان عسكري، و36% أراضٍ ذات ملكية فلسطينية خاصة، و15% فقط أراضي مصنفة ضمن ممتلكات الدولة. ما يعني أن السيطرة تتم عبر أدوات خارجة عن القانون.

ويُظهر التقرير أن طرد الفلسطينيين لا يتم فقط عبر التهجير المباشر، بل عبر تقييد الوصول التدريجي، حيث تُقام الأسوار، وتُوضع بوابات، وتنتشر الكاميرات، ويُمنع الفلسطينيون من الاقتراب، حتى من دون أوامر عسكرية. ويتحوّل وجود المستوطن إلى "سلطة أمر واقع"، بينما يغيب تطبيق القانون الإسرائيلي على هذه الاعتداءات، بل ويحصل المستوطنون المعتدون على حماية ودعم لوجستي من الجيش.

في المجمل، تكشف المعطيات المستقاة من التقرير عن مشروع استيطاني جديد يعتمد على عناصر "ناعمة" لكن ذات أثر بالغ. فهو لا يرتكز على البناء والمستوطنات المرخصة، بل على الاستيلاء الزاحف والمنهجي عبر الرعي والوجود الميداني. والأخطر من ذلك أن هذه العملية تُدار من قبل مستوطنين أفراد، لكنهم جزء من شبكة دعم مؤسسية تتضمن وزارات حكومية، منظمات استيطانية، وتمويل حكومي مباشر.

والنتيجة أن الضفة الغربية تشهد اليوم واحدة من أخطر مراحل التغيير الجغرافي/ الديموغرافي، حيث يتحوّل الرعاة والمزارعون الفلسطينيون إلى ضحايا لنمط من الاستيطان يعتمد على البساطة في الشكل، لكنّه يتقن "لعبة" الشرعية والفرض بالقوة، ومع غياب الردع الدولي الفعلي، تبقى هذه العمليات تتمدد بلا توقف، وتهدد بتقويض أي حل سياسي مستقبلي.

在 Instagram 查看这篇帖子

ميغازين Megazine (@umegazine) 分享的帖子