قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بأشهر قليلة، التحق محمد الحيلة متطوّعًا كضابط إسعاف في جمعية الهلال الأحمر، مقتفيًا طريق والده حسن الحيلة، الذي يعمل كضابط إسعاف في الجمعية منذ نحو عقدين.
استشهد ضابط الإسعاف محمد الحيلة ورفاقه في جريمة إعدام ارتكبتها قوات الاحتلال أثناء تأديتهم مهمة إنسانية في رفح. الجريمة تأتي ضمن مخطط ممنهج لاستهداف الطواقم الإنسانية
كان محمد شابًا مقبلًا على الحياة، محبًّا للخير ومساعدة الآخرين، مثلما يصفه والده في حديثه لـ"الترا فلسطين"، ويقول: "اصطفاه الله شهيدًا وهو يستحق الشهادة، فقد كان أبسط وأطيب إنسان، يحفظ القرآن الكريم، ويسعى في خدمة الناس ومساعدتهم".
استشهد محمد (21 عامًا) مع عدد من رفاقه وزملائه من طواقم جمعية الهلال الأحمر وجهاز الدفاع المدني، في جريمة إعدام ميداني ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحقهم أثناء تأديتهم نداء استغاثة لإنقاذ جرحى ومحاصرين في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
وقعت الجريمة يوم 23 مارس/آذار الماضي، وانقطع الاتصال بالطواقم المكونة من 15 عنصرًا، منهم محمد و8 من ضباط ومسعفي جمعية الهلال، و5 عناصر من الدفاع المدني، وموظف محلي في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
شهيد الإنسانية
بخبرته الممتدة لأكثر من عشرين عامًا بالعمل كضابط إسعاف، وبخفقات قلبه كأب، يقول والد محمد إنه استشعر منذ اللحظات الأولى لانقطاع الاتصال مع نجله ورفاقه أنهم استشهدوا، ومع مرور الوقت تيقّن من إحساسه، وبات كل ما يشغل باله أن يعثر على جثة ابنه، ويكرمه بالدفن.
يتذكّر حسن الحيلة ذلك اليوم عندما اتصل به محمد ليخبره أن طاقمًا من الهلال الأحمر خرجوا في مهمة إنسانية، وقطع الاتصال بهم، وأنه في طريقه للبحث عن أفراد هذا الطاقم، ويقول: "كان رحمه الله شجاعًا، مُحبًّا لمهنته الإنسانية، يسارع من أجل تلبية نداءات الاستغاثة اليومية والتي لا تتوقف على مدار الساعة منذ اندلاع هذه الحرب".

محمد شاب أعزب، درس تخصص إسعاف وطوارئ، درس كذلك الشريعة الإسلامية وأنجز حفظ نحو نصف القرآن الكريم، ويشعر والده بالرضا ويسلم بقضاء الله وبقدره أن اصطفاه شهيدًا، كما يقول.
ذاقت الأسرة من ويلات الحرب الكثير، فقد أجبرت على النزوح من منزلها في رفح على الحدود الفلسطينية المصرية في أقصى جنوب القطاع، عشية اجتياح الاحتلال للمدينة في 6 مايو/أيار من العام الماضي.
يقول حسن الحيلة إن منزله في رفح تعرض للتدمير الجزئي، ويقطن الآن مع أسرته منذ النزوح عن رفح في خيمة بمنطقة المواصي غرب مدينة خان يونس المجاورة.
مخطط إسرائيلي
ولثمانية أيام متتالية حاولت قوات الاحتلال إخفاء جريمتها، حتى استجابت بعد جهود مضنية لتنسيق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وسمحت للطواقم الفلسطينية المحلية بالدخول إلى مدينة رفح المحتلة بالكامل، والبحث عن الشهداء المفقودين وانتشالهم.
وأثبتت المعاينة الطبية لجثامين الشهداء في مجمع ناصر الطبي أنهم تعرضوا للاعدام الميداني، عبر استهدافهم وإطلاق النار عليهم من مسافات قريبة.

ويقول مدير عام الإمداد والتجهيز في جهاز الدفاع المدني محمد المغير لـ "الترا فلسطين" إن هذه الجريمة تندرج في سياق مخطط إسرائيلي يهدف إلى إسقاط منظومة الإسعاف والطوارئ والدفاع المدني في قطاع غزة، وذلك عبر الاستهداف المباشر وارتكاب جرائم إعدام ميداني بحق طواقم الاستجابة الإنسانية، مثلما حدث في الجريمة الأخيرة بمدينة رفح.
ومن شأن تنفيذ هذا المخطط زيادة أعداد الضحايا من شهداء وجرحى الحرب المستعرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام 2023، وازدادت شراستها منذ استئناف الاحتلال عدوانه على القطاع في 18 مارس/أذار الماضي، بحسب المسؤول بالدفاع المدني.

وعن زملائه الخمسة الشهداء الذين كانوا من بين ضحايا جريمة الإعدام الميداني في مدينة رفح، يقول المغير إن هذه الجريمة ليست الأولى حق طواقم الدفاع المدني، حيث استشهد منذ اندلاع الحرب 111 شهيدًا وجرح مئات آخرين، وما تزال قوات الاحتلال تعتقل 10 من عناصر الدفاع المدني.
حصيلة استهداف الطواقم الإنسانية
وإثر هذه الجريمة، رصد المكتب الإعلامي الحكومي بالأرقام حصيلة كارثية للخسائر المادية والبشرية التي تعرض لها القطاع الإنساني في غزة، جراء جرائم الاحتلال بحق طواقم الخدمة الإنسانية من الطواقم الطبية وطواقم الدفاع المدني، منذ اندلاع "حرب الإبادة الجماعية".

وفيما يلي إحصائية بخسائر الاستهداف الممنهج للطواقم الإنسانية منذ اندلاع الحرب على غزة:
- (1.402) شهيدًا قتلهم الاحتلال من الطواقم الطبية.
- (111) شهيدًا قتلهم الاحتلال من طواقم الدفاع المدني.
- (362) حالة اعتقلها الاحتلال من الكوادر الصحية (وأعدم منهم 3 أطباء داخل السجون تحت التعذيب).
- (26) حالة اعتقلها الاحتلال من طواقم الدفاع المدني.
- (34) مستشفى حرقها الاحتلال أو اعتدى عليها أو أخرجها عن الخدمة.
- (80) مركزًا صحيًا أخرجها الاحتلال عن الخدمة.
- (162) مؤسسة صحية تعرضت للاستهداف.
- (15) مقرًّا ومركزًا من مراكز الدفاع المدني قصفها واستهدفها الاحتلال.
- (142) سيارة إسعاف قصفها واستهدفها الاحتلال.
- (54) سيارة إطفاء أو إنقاذ أو تدخل سريع أو عربة دفاع مدني قصفها واستهدفها الاحتلال.
اقرأ/ي أيضًا:
ما هي جريمتهم؟ شهادات مؤلمة لعائلات شهداء فرق الإسعاف في رفح
فيديو يُكذِّب مزاعم الاحتلال عدم معرفته بالطاقم الإنساني الذي أعدمه في رفح
دحض الرواية الإسرائيلية .. فيديو مروع يُظهر اللحظات الأخيرة لعمال الإغاثة في رفح