Bisan

رمضان في قطاع غزة.. ظروف حياتية صعبة وطقوس غائبة وعادات متوقفة

Soruce تقارير
رمضان في قطاع غزة.. ظروف حياتية صعبة وطقوس غائبة وعادات متوقفة
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

"الحرب بدلت أحوالنا ولم تعد حياتنا هي حياتنا"، تقول إلهام صافي، وهي تتحدث عن الأثر العميق للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وانعكاسها السلبي على حياة الغزيين، وغيرت من عاداتهم وتقاليدهم وسلوكياتهم.

وأضافت لـ"الترا فلسطين": "حتى شهر رمضان لم يعد هو الشهر الذي تأتي معه البهجة، وقد غابت طقوسه وعادته وعباداته، فهذه الحرب لم تقتل فينا الأهل والأحباب فقط، ولكنها مست تفاصيل حياتنا كلها".

بدون دخل ثابت، ووسط دمار يعم القطاع، يعود شهر رمضان إلى قطاع غزة، والعائلات بين ثكل وخسارة، وخشية من عودة الحرب

اعتادت إلهام صافي (32 عامًا)، أن تضفي أجواء رمضانية على منزلها وأسرتها (4 أفراد)، لكنها للعام الثاني على التوالي وجدت نفسها عاجزة عن ذلك، وتتساءل بنبرة ممزوجة بكثير من الحزن والألم: "كيف نفرح وفي كل شارع وبيت هناك حزن؟".

آثار كارثية للحرب

ويحل شهر رمضان على زهاء مليونين و400 ألف فلسطيني في القطاع الساحلي المحاصر، وما يزال "شبح" الحرب قائمًا، وسط تهديدات إسرائيلية باستئنافها من جديد، بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في الثاني من مارس/آذار الجاري، والتي استمرت لـ 42 يومًا، لم تترك أثرًا إيجابيًا ملموسًا على حياة الغزيين، الذين فتكت بهم الحرب على على مدار 15 شهرًا منذ اندلاعها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام 2023.

ليس لأسرة صافي دخل ثابت تعتاش منه، وهي واحدة من غالبية الأسر في القطاع، التي فقدت مصدر رزقها بسبب الحرب، وباتت تعتمد على مساعدات إنسانية تقدمها هيئات محلية ودولية. وتشير تقديرات هذه الهيئات إلى أن نحو 80% من الغزيين يعتمدون في معيشتهم على هذه المساعدات، التي توقفت جراء القرار الإسرائيلي بإغلاق المعابر مع القطاع.

"هذا هو حالنا"، تقول صافي، التي عادت مع أسرتها للإقامة في منزلها المدمر جزئيًا في مدينة خانيونس، بعدما أرهقتها حياة النزوح في الخيام، وتشير إلى أن الأوضاع المعيشية صعبة للغاية، وبينما جاء رمضان الماضي في خضم حرب قاسية، فإن رمضان الحالي تزامن مع إغلاق المعابر وارتفاع هائل على الأسعار.

وتضيف: "لا شيء في غزة يشبه ما كان قبل الحرب، وقد فقدنا الكثير من الأهل والجيران والأصدقاء، وفقدنا بيوتنا وذكرياتنا، وحتى شوارعنا باتت مظلمة مخيفة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وبتنا نخشى على أنفسنا وأطفالنا الخروج من المنزل بعد مغيب الشمس".

 

Image removed.
إلهام صافي الحرب بدلت حياتنا وغيرت من عاداتنا وطقوسنا حتى في شهر رمضان | أحلام حماد- الترا فلسطين

عادات رمضانية غائبة

اعتادت صافي سنويًا على "العزائم الرمضانية"، حيث يتبادل الأقارب والأصدقاء الدعوات لتناول وجبة الإفطار سواء في المنازل أو في المطاعم والأماكن العامة، بيد أن هذه العادة اختفت تمامًا منذ اندلاع الحرب.

إذ دمرت هذه الحرب غالبية منازل الغزيين، والأماكن العامة، وتقول صافي إنها "سرقت منا أيضًا حياتنا البسيطة، لم تكن حياتنا وردية قبل الحرب، لكننا كنا نعيش يومنا، ونبذل جهدنا لخلق مساحة من الفرح والسعادة".

وللعام الثاني على التوالي لم تدع صافي أحدًا لمنزلها لتناول وجبة الإفطار، حيث قضت شهورًا طويلة نازحة مع أسرتها في خيمة، ورغم أنها تعتبر نفسها أكثر حظًا من غيرها فقد وجدت منزلها قائما رغم ما أصابه من أضرار، إلا أنها لم تستعد حياتها السابقة.

"لا زلنا نعيش أجواء الحرب"، تقول صافي، وتتشاطر في هذه المخاوف مع كثير من الغزيين الذين يتابعون بقلق شديد التهديدات الإسرائيلية باستئناف الحرب على غزة.

 

دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من ألف مسجد في قطاع غزة | أحلام حماد - الترا فلسطين

ومع هذه المخاوف التي تتملك أهالي غزة، فإنهم يعيشون ظروفًا معيشية بائسة، جراء اختفاء الكثير من السلع والبضائع من الأسواق، والارتفاع الهائل الذي طرأ على الأسعار، نتيجة لقرار دولة الاحتلال بإغلاق المعابر، ووقف تدفق شاحنات المساعدات الإنسانية.

وبحسب المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليب لازاريني فإن الغالبية من الغزيين يعتمدون على هذه المساعدات للبقاء على قيد الحياة. وتحذر هيئات محلية ودولية من عودة شبح المجاعة من جديد للقطاع، إذا ما استمر التعنت الإسرائيلي، وطال أمد إغلاق المعبر وتوقف المساعدات.

وتقول الطفلة جوري صافي (8 أعوام)، إن والدتها إلهام كانت في كل عام تهديها وأخوتها فوانيس رمضان، وبدت هذه الطفلة أكبر من عمرها وهي تدرك أن أسرتها لم تعد قادرة على شراء هذه الفوانيس والألعاب، وحتى أصناف الطعام والشراب المفضلة لديها "لأن الوضع الاقتصادي صعب بسبب الحرب والحصار".

ومنذ صغرها كانت إلهام تصطحب ابنتها جوري معها للمسجد لأداء صلاة التراويح في شهر رمضان، لكن جوري تقول لـ "الترا فلسطين": "ما بنروح على المسجد عشان الشوارع بدون أضواء، وبنخاف يصير قصف".

 

الطفلة جوري صافي تشتاق لحياتها قبل اندلاع الحرب على غزة | أحلام حماد- الترا فلسطين

الحياة في خيمة

وتشير تقديرات وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة إلى أن الاحتلال دمر خلال حربه أكثر من 1119 ألف مسجد من زهاء 1244 مسجد على مستوى القطاع، وباتت كثير من المناطق بلا مساجد تقام فيها الصلوات خاصة صلاة التراويح التي تشهد فيها المساجد ازدحامًا شديدًا.

ويقول أستاذ التاريخ والداعية نادر أبو شرخ لـ "الترا فلسطين": "حياتنا في غزة باتت عبارة عن خيمة، نسكن فيها، ونصلي فيها، ونعلم أطفالنا فيها، بعدما دمر الاحتلال كل مناحي الحياة الحضرية في القطاع، من منازل ومباني ومنشآت ومساجد ومدارس وجامعات وبنى تحتية مختلفة".

وفرضت الحياة في خيمة على الغزيين طقوس حياة مختلفة لم يعتادوا عليها، بحسب أبو شرخ، ويقول إن الحرب المجنونة على غزة كان لها تداعيات ستترك آثارها على الحياة في غزة لعدة سنوات قادمة، ما لم تبذل جهود حثيثة لرفع الحصار والبدء في إعمار حقيقي يعيد للناس الأمل بالحياة.

 

نادر أبو شرخ يفتقد منزله في رفح ويقيم ويصلي بالناس في الخيام بمواصي خانيونس | أحلام حماد- الترا فلسطين

ووفقًا لأبو شرخ النازح من مدينة رفح وقد دمر الاحتلال منزله في مخيم بربرة أسوة بغالبية منازل هذه المدينة الصغيرة، فإن الاحتلال أراد منذ اللحظة الأولى للحرب أن يحول غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة، فمارس فواحش الحرب وموبقاتها من قتل وتدمير.

وكان لهذه الجرائم أثرها على حياة الناس، الذين شردتهم الحرب وفتكت بمنازلهم، حتى بات شهر كريم مثل رمضان يمر على أهل غزة والكثير منهم لا يجدون ثمن وجبتي الفطور والسحور، بسبب الحصار الخانق والغلاء الفاحش، علاوة على حرمان الكثير من الغزيين من أداء الصلوات في المساجد، خاصة صلاة التراويح، بسبب إجرام الاحتلال بحق عشرات مئات المساجد وتدميرها كليًا، بحسب أبو شرخ.