Bisan

الحرب تسرق بهجة رمضان.. جرحى ومرضى في مستشفيات غزة

Soruce تقارير
الحرب تسرق بهجة رمضان.. جرحى ومرضى في مستشفيات غزة
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

على سرير متهالك في مجمع ناصر الطبي غرب مدينة غزة، وبقلب يعتصره الألم، استقبلت الطفلة نعمة وادي، شهر رمضان المبارك، من دون طقوس اعتادت عليها منذ سنوات طفولتها المبكرة.

يتحوّل رمضان في غزة من "شهر الغفران" إلى شاهدٍ على جراحٍ لا تندمل

نعمة (14 عامًا) من سكان بلدة القرارة شمال شرقي خان يونس، وكانت نازحة مع أسرتها في خيمة بمنطقة المواصي غرب المدينة، عندما أغارت مقاتلات حربية إسرائيلية على أرض مجاورة، وتناثرت شظايا الصواريخ في الأرجاء، وأصابتها في فخذها بحروح بليغة.

مرّت شهور على الجريمة، وخلالها خضعت الطفلة نعمة لعدّة عمليات جراحية. استدعت جروحها والكسور التي أصيبت بها تركيب بلاتين خارجي، وتقول لـ "الترا فلسطين": "أرقد هنا في المستشفى من غير علاج، فليس لي علاج إلا خارج البلد".

الطفلة نعمة وادي ترقد في المستشفى جراء شظايا صواريخ أصابتها في فخذها​الطفلة نعمة وادي ترقد في المستشفى جراء شظايا صواريخ أصابتها في فخذها (أحلام حماد/ الترا فلسطين)
​الطفلة نعمة وادي ترقد في المستشفى جراء شظايا صواريخ أصابتها في فخذها (أحلام حماد/ الترا فلسطين)

وتحتاج نعمة لعمليات جراحية متخصصة من أجل تركيب بلاتين داخلي وزراعة عظم، من أجل العودة للسير الطبيعي وممارسة حياتها الاعتيادية. وبحسب الأطباء في قطاع غزة فإن هذه النوعية من العمليات المتخصصة غير متاح في المستشفيات المحلية التي تعاني من قلة الإمكانيات، بسبب الاستهداف الإسرائيلي المباشر على مدار شهور الحرب، علاوة على القيود الإسرائيلية المشددة والمفروضة على دخول الوفود الطبية المتخصصة، إضافة لمنع دخول الأجهزة والأدوية والمعدات الطبية.

رمضان على وقع الأحزان

حلّ شهر رمضان المبارك وهذه الطفلة الجريحة حبيسة جدران المستشفى، تلازم سريرها، وقد حرمتها جروحها من الاحتفال بقدوم الشهر التي اعتادت صيامه منذ كانت في السادسة من عمرها. وتقول: "كل شيء اختلف بعد الحرب .. هذه الحرب مجنونة وسرقت منّا كل حاجة حلوة".

وتنحدر نعمة من أسرة مكونة من 7 أفراد، كانت تعيش حياة هانئة في منزلها بمنطقة القرارة، التي كانت مسرحًا لعمليات عسكرية لجيش الاحتلال، وقد عاث فيها فسادًا وتدميرًا، إبان اجتياحه البري لمدينة خان يونس مطلع ديسمبر/كانون الثاني من العام 2023 واستمر لأربعة أشهر.

وبالنسبة لنعمة فإن شهر رمضان من "أجمل شهور السنة"، وتقول إن هذا الشهر يعني "الصوم والطعام اللذيذ وصلاة التراويح في المسجد والسهر واللعب مع الصديقات".

الطفلة نعمة وادي: "هذه الحرب مجنونة وسرقت منّا كل حاجة حلوة"

في الليلة الأولى من رمضان كانت نعمة تساعد والدتها في تزيين البيت بفانوس كبير وبالزينة الرمضانية، وترافقها في زيارات لبيت جدّها وأقاربها، وتصمت قليلًا قبل أن تتابع حديثها بألم كبير: "كل هذا راح ولم يبق منه شيئًا، أنا هنا في المستشفى ولا أشعر بأي بهجة لشهر رمضان".

وتتساءل هذه الطفلة الجريحة: "أين رمضان في غزة المدمرة (..) في كل بيت هنا في جريح وشهيد وأسير، وكثير من الناس يعيشون في الخيام وقد دمرت الحرب منازلهم، ولم يبق لنا إلا الذكريات".

طقوس غائبة

في أول يوم من رمضان كنّا نطبخ الملوخية والمشاوي، لكن مرّ علينا شهرين من رمضان منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام 2023، لم نشعر بهما أبدًا، وافتقدنا خلالهما طقوسنا وعاداتنا وعباداتنا، تقول نعمة.

هذه الحرب لم تبق لنا منازل لتزيينها، ودمرت غالبية المساجد التي كنا نقيم فيها صلاة التراويح، وبدت نعمة أكبر من عمرها وهي تتحدث عن الآثار المدمرة للحرب على مختلف مناحي الحياة في القطاع، وقد تركت آثارها السلبية على زهاء مليونين و300 ألف نسمة في القطاع الصغير.

الطفلة نعمة ترقد في مستشفى ناصر بغزة بجروحٍ تحتاج عملياتٍ مستحيلة داخل القطاع المحاصر. تقول إن رمضان هذا العام يمرُّ دون زينة أو أطعمةٍ أو صلاة تراويح

وتقول إن الغالبية في غزة تعاني من وضع اقتصادي صعب، ولا يمكنها شراء احتياجات شهر رمضان، بسبب الأسعار الجنونية في الأسواق.

وتفتقد هذه الطفلة "لمة العيلة"، وتقول إن بهجة رمضان لا تكتمل إلا بتجمع العائلة حول مائدة الإفطار، "وأنا والجرحى في المستشفيات محرومين من هذه اللمة، ونعيش على في المستشفيات، ولا نأكل إلا ما يحدده الأطباء".

أمنيات العلاج بالخارج

وتترقب نعمة بمشاعر ممزوجة بالأمل والخوف أن تسنح لها الفرصة للسفر للخارج والخضوع لعمليات جراحية، تعيد لها القدرة على السير الطبيعي واستئناف حياتها من جديد.

وهذه الطفلة الجريحة من بين نحو 25 ألفا على قوائم الجرحى والمرضى، الذين تستدعي حالاتهم الصحية السفر من أجل العلاج بالخارج، وينتظرون بصبر كبير فرصتهم من أجل السفر من خلال معبر رفح البري مع مصر، والذي يحتاج إلى موافقة أمنية إسرائيلية.

ويقول مدير مستشفى التحرير للأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي الدكتور أحمد الفرا لـ "الترا فلسطين" إن البروتوكول الإنساني ضمن اتفاق وقف اطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال نص على سفر 150 جريح ومريض يوميا لتلقي العلاج، بيد أن الاحتلال تنصل من التزاماته.

مدير مستشفى التحرير للأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي الدكتور أحمد الفرا ​مدير مستشفى التحرير للأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي الدكتور أحمد الفرا
​مدير مستشفى التحرير للأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي الدكتور أحمد الفرا (أحلام حماد/ الترا فلسطين)

وانتهت المرحلة الأولى من هذا الاتفاق الذي بدأ رسميا في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، منتصف ليلة الثاني من مارس/آذار الجاري. ويقول الدكتور الفرا إن الاحتلال لم يلتزم طوال أيام هذه المرحلة بالأعداد المتفق عليها، وكشف أنّ من بين 50 حالة يوافق عليها الاحتلال كان يتراجع عن نحو 10% منها، ويمنع السفر بعد الموافقة، ومن بين هؤلاء أطفال ورضع.

ووفقًا للفرا فإن هذه الوتيرة المعقدة تضع أرواح آلاف الجرحى والمرضى في مهب الريح، وفقد بالفعل أعداد منهم أرواحهم وهم في انتظار الموافقة على السفر من أجل العلاج، لافتًا إلى أن الآلاف ممن يحتاجون السفر سيكون عليهم الانتظار لسنوات طويلة في حال استمرار هذه الآلية التي يتلاعب بها الاحتلال.

أين رمضان؟

وليس بعيدا عن نعمة، كان حسن الغلبان (35 عامًا) يرافق ابنه الطفل أحمد (عامان ونصف)، الذي يرقد على سرير في مجمع ناصر الطبي، إثر إصابته ووالدته بحروق شديدة، نتيجة حريق اندلاع في الخيمة التي كانوا يقيمون بها في منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس.

هذا الأب الثلاثيني يعيل أسرة من (5 أفراد)، واضطر مع اندلاع الحرب على القطاع للنزوح بها 7 مرات، متنقّلًا من مكان إلى آخر، حتى استقر بها الحال في خيمة بالمواصي، لجأ إليها في نزوحه الأخير من مدينة رفح على الحدود الفلسطينية المصرية على وقع عملية عسكرية إسرائيلية واسعة لا تزال مستمرة منذ 6 مايو/أيار من العام الماضي.

يفتقد والدا الطفل أحمد الغلبان بهجة شهر رمضان جرّاء ما حل بهما من حريق الخيمة (أحلام حماد/ الترا فلسطين)​يفتقد والدا الطفل أحمد الغلبان بهجة شهر رمضان جرّاء ما حل بهما من حريق الخيمة (أحلام حماد/ الترا فلسطين)
​يفتقد والدا الطفل أحمد الغلبان بهجة شهر رمضان جرّاء ما حل بهما من حريق الخيمة (أحلام حماد/ الترا فلسطين)

اندلع حريق عرضي في الخيمة، وأصيب الطفل أحمد بحروق من الدرجة الثالثة، وكذلك أصيبت والدته مجد (26 عامًا)، وقد حل رمضان على هذه الأسرة وهي على أسرّة العلاج في المستشفى.

تقول مجد لـ "الترا فلسطين": "بعيدًا عن بيتي ما في أي طعم أو بهجة لشهر رمضان"، وتضيف: "الحرب سرقت أعمارنا، وفرحتنا بكل شيء".

الطفل أحمد الغلبان أصيب بحروق من الدرجة الثالثة جراء حريق خيمة أسرته في المواصي-أحلام حماد-الترا فلسطين​الطفل أحمد الغلبان أصيب بحروق من الدرجة الثالثة جراء حريق خيمة أسرته في المواصي (أحلام حماد/ الترا فلسطين)
​الطفل أحمد الغلبان أصيب بحروق من الدرجة الثالثة جراء حريق خيمة أسرته في المواصي (أحلام حماد/ الترا فلسطين)

 

"أين هو رمضان الذي نعرفه؟"، تتساءل مجد، وتجيب نفسها: "رمضان يعني راحة البال، وقراءة القرآن، والاحتفال بقدومه بتزيين المنازل والشوارع، وصوت التراويح في المساجد (..) كل هذا لم يعد موجودًا في غزة بعد الحرب التي دمرت كل شيء".

وتضيف: حرمتنا هذه الحرب حتى من الأكلات التي نُحبُّها، فالحصار خانق والأسعار مرتفعة جدًا، وزوجي لا يعمل حاليًا، وتقول مجد "أكلتنا المفضلة في رمضان هي المقلوبة، وقبل الحرب ما كانت تكلف 50 شيكل أما الان فتحتاج أكثر من 150 شيكل".

وكان زوج مجد يعمل حلّاقًا قبل اندلاع الحرب، وكالغالبية من الغزيين فقد عمله، وباتت تعتمد على مساعدات إنسانية تقدمها هيئات محلية ودولية.

ويقول الغلبان لـ "الترا فلسطين": "رمضان أحلى شهر في السنة، لكن في ظلّ الحرب والحصار ليس له أي بهجة، وفي العام الماضي جاءنا الشهر في ظل حرب دموية ومدمرة، وهذا العام يحل علينا رمضان ونحن في المستشفى، فكيف نصوم وكيف نصلي وكيف نشعر ببهجة رمضان؟".