Bisan

النازحون العائدون إلى شمال غزة.. ظروف معيشة صعبة ونقص في المياه ودمار في كل مكان

Soruce تقارير
النازحون العائدون إلى شمال غزة.. ظروف معيشة صعبة ونقص في المياه ودمار في كل مكان
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

بعد رحلة نزوحٍ قسريةٍ في جنوب قطاع غزة، كان حمزة السلطان ووالده بين حشود العائدين في اليوم الأول، الذي فتحت فيه قوات الاحتلال شارع الرشيد الساحلي، أمام عودة النازحين نحو منازلهم في مدينة غزة وشمال القطاع.

"لا شيء في غزة نجا من الحرب، كلّ شيء فيها مدمر، والحصول على شربة ماء ليس أمرًا سهلًا"

قطع حمزة (18 عامًا)، ووالده الأربعيني محمد السلطان، مسافةً تزيد عن 10 كيلومترات سيرًا على الأقدام، خلال طريق عودتهم إلى شمال قطاع غزة.

"كانت رحلة عودة شاقّة، لكنها ممتعة"، يقول حمزة لـ "الترا فلسطين"، وقد كان شوقه للعودة إلى منزله في حيّ النصر شمال مدينة غزة، يسابق خطواته بين الخراب الهائل في شارع الرشيد، ضمن "محور نتساريم"، وهو المحور الذي أنشأته قوّات الاحتلال، بقوّة النار، للفصل بين شمال القطاع وجنوبه.

استغرقت رحالة حمزة ووالده، ساعاتٍ طويلةً، للوصول إلى منزلهما. وكانت فرحتهما غامرةً لمّا وجدا المنزل قائمًا يمكن السكن فيه، رغم ما لحق به من تدميرٍ جزئيّ جرّاء قوة الانفجارات.

يواجه العائدون لمدينة غزة وشمال القطاع تحديات يومية بسبب الدمار الهائل في البنية التحتية وكل مقومات الحياة-أحلام حماد-الترا فلسطي
يواجه العائدون لمدينة غزة وشمال القطاع تحديات يومية بسبب الدمار الهائل في البنية التحتية وكل مقومات الحياة | أحلام حماد- الترا فلسطين

مهامٌّ يومية شاقّة

قضى الابن ووالده ليلتهما بين الخراب، والغبار، وزجاج النوافذ المحطّمة، واستيقظا صباحًا على واقع الحياة المرير في هذه المدينة؛ غزّة التي لم تعد كما يعرفاها، والتي تعتبر بمثابة "عاصمة قطاع غزة"، باعتبارها مركز الإدارة، والمؤسسات العامة والخاصة، والنشاط التجاري.

"لا شيء في غزة نجا من الحرب، كلّ شيء فيها مدمر، والحصول على شربة ماء ليس أمرًا سهلًا"، يقول حمزة، وقد مضى على عودته للمدينة نحو عشرة أيام.

يقطن هذا الشاب ووالده في شقتهما السكنية وحدهما، ولا يستهلكان الكثير من المياه للشرب، والاستخدامات المنزلية الأخرى؛ حيث تتواجد والدته مع باقي أفراد أسرته في مصر، بغرض العلاج منذ سفرهم قبيل الاجتياج الإسرائيليّ الواسع لمدينة رفح، واحتلال معبر رفح البري في 6 أيار/مايو 2024.

يقطن حمزة في الطابق الثالث من بنايةٍ سكنيةٍ مكونةٍ من 4 طبقات، ويضطر يوميًا، مرات عدة، إلى النزول والصعود على ساقيه، حيث لا مصاعد كهربائية في غزة بسبب أزمة انقطاع الكهرباء منذ اندلاع الحرب. ويقول: "أنا شاب وبكامل صحتي، ولكن الأمر متعبٌ جدًا أن تضطر يوميًا لنزول عشرات الدرجات والصعود حاملًا المياه أو الطعام".

نقل المياه في غزة
الشاب حمزة خلال نقل المياه | أحلام حماد - الترا فلسطين

ودمّرت قوات الاحتلال، خلال الحرب، غالبية شبكات وآبار المياه في مدينة غزة، وكذلك الأسواق والبنية التحتية، بحسب بيانات رسمية صادرة عن بلدية غزة. فيما كانت إمدادات الكهرباء، والمياه الواردة عبر شركات إسرائيلية، قد قُطعت، منذ اليوم الأول للحرب.

ويعتمد حمزة وجيرانه في حيّ النصر، للتزوّد بالمياه العذبة للشرب، على سيارةٍ متنقلة تصلهم كلّ عدة أيام وتوزع الماء مجّانًا. لكنها، بالكاد تغطي احتياجات السكان الذين يزداد عددهم شيئًا فشيئًا، مع استمرار عودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله.

أما مياه الاستحمام، والاستخدامات المنزلية، يقول حمزة إنها متوفرة على مقربة منه، من خلال بئرٍ تبرّع أصحابه بتوفير احتياجات الجيران، ولكن الصعوبة تكمن في نقل المياه يدويًا للشقق في الطبقات المرتفعة من البنايات السكنية. 

غالونات المياه في غزة
أزمة المياه في غزة | أحلام حماد - الترا فلسطين

وبحسب هيئاتٍ محلية في غزة، فإن قوّات الاحتلال تماطل، منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار، في السماح لمؤسساتٍ دولية بتوريد الوقود لشمال القطاع، من أجل إعادة تشغيل آبار مياه والتخفيف من معاناة الغزيّين والأعباء اليومية للحصول على احتياجاتهم.

أهالي غزّة: أين المساعدات؟ وأين الخيام؟

ليست المياه وحدها التي تمثل عقبةً كبيرة أمام النازحين العائدين إلى شمال القطاع. ويقول مصطفى صيام: "الحياة في غزة صعبة جدًا ومعقدة، وتوفير الاحتياجات اليومية هي بمثابة مهامٍّ شاقة وسط هذا الدمار الهائل". 

عاد مصطفى مع أسرته لمنزله في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، بعد نزوحٍ متكرّر في جنوب القطاع منذ اندلاع الحرب، ويقول لـ "الترا فلسطين": "المخيم مدمر كليًا، لكن الإقامة في منزل شبه مدمر أفضل من حياة الخيام".

الدمار في غزة
دمار واسع في شمال القطاع | أحلام حماد - الترا فلسطين

يقطن مصطفى هذا المنزل العائليّ مع أسرته، وأشقائه وأسرهم، الذين يزيد عددهم عن 40 فردًا، جلّهم من الأطفال والنساء. هؤلاء لم تصلهم أيّ مساعدات، رغم مرور نحو أسبوعين على اتفاق وقف إطلاق النار، الذي ينصّ على تدفق المساعدات الإنسانية والإيوائية لكلّ مناطق القطاع في شماله وجنوبه.

مصطفى ومئات آلاف العائدين لمدينة غزة وشمال القطاع لم يلمسوا أثرًا لهذه المساعدات، ويتساءل: "أين المساعدات، وأين الخيام والكرافانات لإيواء المشردين؟".

الدمار وأزمة المياه
مصطفى صيام يعود إلى مخيم الشاطئ ويحاول الحصول على المياه | أحلام حماد - الترا فلسطين

وجرّاء ذلك، يكابد الغزيون في مدينة غزة وشمال القطاع، من أجل تدبير شؤون حياتهم اليومية، ويشكون من استمرار ارتفاع الأسعار، رغم تدفّق مساعدات إنسانية وبضائع تجارية. ويشكو أصحاب المنازل المدمرة من عدم توفر الخيام لإيوائهم، بسبب عرقلة الاحتلال تنفيذ البروتوكول الإنساني من اتفاق وقف إطلاق النار.

وبحسب مصطفى، فإنه ما لم يكن هناك تدخلات عاجلة لمعالجة البنية التحتية، وتوفير الخدمات الحيوية للسكان في النصف الشمالي من القطاع، فإن الحياة ستكون مستحيلةً بلا كهرباء، ومياه، وصرف صحي، واتصالات، وكذلك الخيام ومراكز الإيواء.

عرقلة إسرائيلية

ويقدر مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة، أن شاحنات المساعدات التي دخلت القطاع حتى اللحظة، بموجب الاتفاق، لم تحقق سوى 2% فقط من احتياجات السكان، وذلك بسبب التلكؤ الإسرائيلي في تنفيذ ما نص عليه البروتوكول الإنساني.

وقال الثوابتة لـ "الترا فلسطين"، إن البروتوكول ينصّ على دخول 600 شاحنة مساعدات، لكن واقع الحال لا يشير لذلك، حيث أن الشاحنات التي تدخل أقل من هذا العدد، وتتضمن شاحنات بضائع وسلع تجارية تجد طريقها للأسواق وبأسعار مرتفعة، وهو أمر مخالف للاتفاق". ولا تلبّي هذه الأعداد والكميات احتياجات السكان المتزايدة بعد ويلات الحرب والحصار، علاوةً على أنها لا تصل لكل مناطق القطاع في شماله وجنوبه. 

يقدر مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة أن شاحنات المساعدات التي دخلت القطاع حتى اللحظة، بموجب الاتفاق، لم تلبي سوى 2% فقط من احتياجات السكان
يقدر مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة أن شاحنات المساعدات التي دخلت القطاع حتى اللحظة، بموجب الاتفاق، لم تلبي سوى 2% فقط من احتياجات السكان | أحلام حماد - الترا فلسطين

ووفقاً للبروتوكول الإنساني، كان من المفترض أن يتم إدخال 60 ألف كرفان (بيت متنقل) و200 ألف خيمة مؤقتة لاستيعاب النازحين الذين دمّر الاحتلال منازلهم ووحداتهم السكنية، وأحيائهم السكنية، وكذلك كان من المفترض إدخال 600 شاحنة يوميًا محملة بالمساعدات والوقود، بما يشمل 50 شاحنة وقود وغاز، و4200 شاحنة خلال 7 أيام، بالإضافة إلى إدخال معدات الخدمات الإنسانية والطبية والصحية والدفاع المدني، وإزالة الأنقاض، وصيانة البنية التحتية، وتشغيل محطة توليد الكهرباء والمعدات اللازمة لإعادة تأهيل الخدمات الإنسانية في القطاع، بحسب المسؤول الحكومي.

وحذر ثوابتة من تداعياتٍ وصفها بالخطيرة وغير المسبوقة إذا استمرت العراقيل والمماطلة الإسرائيلية، وقال "نحمّل الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية المسؤولية الكاملة عن التداعيات الخطيرة الناجمة عن عدم التزام الاحتلال بتعهداته، وندعو الجهات الضامنة والأطراف الدولية إلى تحمل مسؤولياتها بشكل فاعل وقوي والضغط الجاد لضمان التنفيذ الفوري لبنود البروتوكول الإنساني، دون قيود أو شروط، وفقاً لما تم الاتفاق عليه".