Bisan

مخلّفات الإبادة.. آلاف القنابل غير المتفجرة تشكل تهديدًا مفتوحًا للأرواح في غزة

Soruce تقارير
مخلّفات الإبادة.. آلاف القنابل غير المتفجرة تشكل تهديدًا مفتوحًا للأرواح في غزة
أحلام حماد

أحلام حماد

صحافية فلسطينية

بدافع من الشوق والحنين لمنزله في حي تل السلطان غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة، ذهب الفتى أحمد عزام مهرولاً على ساقيه، يسابق الريح، وهو لا يعلم أنه سيعود محمولاً في سيارة إسعاف، وقد بترت ساقه، نتيجة انفجار جسم من مخلفات جيش الاحتلال الإسرائيلي.

كافة مقدرات تجميع الذخائر غير المتفجرة وتخزينها ومن ثم العمل على إتلافها كدائرة متكاملة تم استهدافها من الاحتلال خلال الحرب، بما في ذلك الكوادر البشرية في هندسة المتفجرات

بعد تسعة شهور من النزوح القسري عن رفح، وجد أحمد عزام (16 عامًا) منزله مدمرًا، وكان يتنقل بين ركامه وأنقاضه، عندما داس بقدمه على جسم غريب، ويقول: "في حينه لم أعلم أنها عبوة ناسفة، وفجأة وقع انفجار كبير، وفقدت الوعي، ولم أستوعب ما أحصل إلا بعدما استيقظت ووجدت نفسي على هذا السرير".

يرقد أحمد عزام على سرير في قسم الجراحة داخل مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس، وقد بترت ساقه، وأصيب بجروح في أنحاء جسده.

أحمد عزام

وأحمد عزام هو واحد من حالات يومية، لشهداء وجرحى، هم ضحايا لمخلفات حربية تركها جيش الاحتلال وراءه في مناطق توغل بها خلال حربه الدموية والمدمرة التي شنها على قطاع غزة ودامت أكثر من 15 شهرًا.

ضحايا مخلفات الاحتلال

عز الدين حجازي (23 عامًا)، أحد ضحايا مخلفات الاحتلال، وقد أصيب بجروح في وجهه وأنحاء من جسده، وكسر في قدمه، جراء انفجار ما يصفه بـ "جسم غريب" في مدينة رفح.

كان حجازي يساعد قريبًا له على انتشال بعض الأمتعة من منزله المدمر في منطقة "رفح الغربية"، عندما شاهد طفلاً يعبث بجسم غريب يقول إنه يشبه "منظم المياه وبه مصباح إنارة صغير". ويضيف أنه خشى على الطفل واستخلصه منه وألقى به بعيدًا، وبعد قليل وقع انفجارٌ واستشهد الطفل (12 عامًا)، بينما أصيب هو بجروح بليغة.

عز الدين حجازي

بألم شديد يروي حجازي تفاصيل هذه الحادثة التي أودت بحياة طفل بريء، وكادت أن تودي بحياته، ويقول: "خسرنا الكثير من الأقارب والأصدقاء، وفقدنا منازلنا خلال الحرب، ولا يزال الخطر قائمًا والموت يتربص بنا بسبب هذه مخلفات الاحتلال".

وعلى مقربة من عزام وحجازي، يرقد الشاب العشريني طلال السميري، وقد أصيب بجروح في أنحاء جسده وفقد الوعي، جراء انفجار ذخائر من مخلفات جيش الاحتلال في بلدة القرارة شمال شرقي مدينة خان يونس.

وبعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، قرر السميري (28 عامًا)، العودة لمنطقة سكنه في بلدة القرارة، التي غادرها نازحًا في اليوم الأول لاندلاع الحرب، لخطورتها، حيث أنها قريبة من السياج الأمني الإسرائيلي.

طلال السميري

وخلال اجتياح جيش الاحتلال لمدينة خان يونس في الشهر الثالث من الحرب، تعرضت بلدة القرارة لتدمير واسع، ويقول السميري: "كنت أعلم أن منزلنا مدمر، ولكنني عدت للمنطقة كي أقيم لعائلتي مأوى من الصفيح نقيم فيه بدلاً من الحياة الصعبة كغرباء في خيمة وفي مناطق لا نعرفها".

وبينما كان طلال السميري منهمكًا في تثبيت ألواح من الصفيح على أعمدة خشبية، لإقامة غرفة ينقل إليها عائلته، شاهد جرافة تابعة للبلدية تعمل على تسوية الشوارع المدمرة، ويقول إنه توجه نحوها من أجل الطلب من سائقها تسوية شارع يؤدي إلى مكان منزله يتعذر السير به بسبب الأنقاض، وما أن وصلها حتى وقع انفجار كبير.

أصيب طلال السميري بجروح نتيجة شظايا تطايرت في أنحاء المكان إثر الانفجار، وفقد وعيه، فيما استشهد وأصيب آخرون في الانفجار نفسه، وبينهم أطفال أصيبوا بإعاقات وبتر أطراف.

موت لا يتوقف

وبحسب تقديرات محلية فإن جيش الاحتلال استخدم نحو 100 ألف طن من المتفجرات في حربه على القطاع، من بينها آلاف الصواريخ والقذائف غير المتفجرة، وهي جزء من مخلفاته الحربية، التي أودت خلال شهور الحرب وحتى اللحظة بحياة 150 فلسطيني، إضافة إلى مئات الجرحى، وغالبية الضحايا من الأطفال.

ويقول مدير عام الامداد والتجهيز في جهاز الدفاع المدني محمد المغير لـ الترا فلسطين، إن الدفاع المدني تلقى حوالي 10 آلاف إشارة من مواطنين يتصلون طلبًا للمساعدة، ويبلغون عن وجود أجسام مشبوهة، غالبيتها من مخلفات الاحتلال في مناطق مختلفة من القطاع.

وبحسب محمد المغير، فإن النسبة الأكبر من هذه الإشارات مصدرها محافظتا رفح وشمال القطاع، باعتبارهما الأكثر تعرضًا للتدمير الإسرائيلي، وقد تعاملت فرق هندسة المتفجرات في جهاز الشرطة مع عدد من هذه البلاغات ونجحت في تحييد خطر المخلفات، "لكن من الصعب جدًا التعامل معها كلها لأن كافة مقدرات تجميع الذخائر غير المتفجرة وتخزينها ومن ثم العمل على إتلافها كدائرة متكاملة قد تم استهدافها من الاحتلال خلال الحرب، بما في ذلك الكوادر البشرية في هندسة المتفجرات التي خسرت حوالي 70 شهيدًا من عناصرها المتخصصة والمدربة".

محمد المغير

وأضاف المغير: "منذ إعلان وقف إطلاق النار ونحن على تواصل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر من خلال قسم التلوث والأسلحة لمحاولة إعادة بناء القدرات سواء البشرية أو الموارد لتسريع عمليات جمع هذه الأجسام والمخلفات، ومنع الخطر عن المواطنين".

وأكد، أن الدفاع المدني يعاني من نقص في كل شيء، "فلا يوجد لدينا سيارات خاصة تتوفر بها عوامل الأمان لتتحرك بها طواقم الهندسة، وأماكن التخزين والإتلاف تم تدميرها وتجريفها".

أنواع المخلفات

ويوضح المغير أن هناك ذخائر مستخدمة وتفجرت وما يتبقى منها هي الفوارغ أي الأجسام الخارجية، وهذه لا تشكل خطر انفجار، إنما خطرها يكمن في استنشاق غازات قد تنبعث منها، واختلاطها بالأنقاض والركام، ففي حال الاحتكاك الدائم بها سنشهد ارتفاعًا كبيرًا في معدلات الإصابة بالسرطان.

وبيَّن المغير، أن بين المخلفات في قطاع غزة عبواتٌ ناسفةٌ وقنابل يدوية، والبراميل التي تستخدم في تفخيخ المباني ونسفها، وبقايا القنابل المستخدمة في اختراق التحصينات وتختلط مع التربة، وهناك أسلحة كيمائية المصنوعة من مواد سائلة.

المخلفات المتفجرة تأخذ أشكالاً متعددة مثل المعلبات الغذائية وعلب الشوكولاتة والألعاب وغيرها، "وبمجرد العبث بها أو محاولة فتحها تتفجر وتؤدي إلى الوفاة أو الإصابة والبتر"

ويقول المغير إن مخاطر هذه المخلفات تنعكس على المواطن والأراضي الزراعية ومياه الخزان الجوفي، وتؤدي إلى تلوثها وتدوم لفترة طويلة من الزمن، "ولذلك نركز على المخلفات الحربية والمشعة والإلكترونية، التي تشكل خطورة كبيرة مباشرة على حياة المواطنين، ولها تأثيراتٌ جانبيةٌ متعلقةٌ بالتربة والمياه والتلوث".

ويؤكد محمد المغير، أن الاحتلال يتعمد إيقاع الأطفال وحتى بعض البالغين في شرك هذه المخلفات، سواءً غير المتفجرة عن غير قصد، أو بزراعته لمخلفات متفجرة بقصد، ويتعمد تمويه شكلها لإغراء المواطنين خاصة الأطفال للعبث بها، مبينًا أن هذه المخلفات تأخذ أشكالاً متعددة مثل المعلبات الغذائية وعلب الشوكولاتة والألعاب وغيرها، "وبمجرد العبث بها أو محاولة فتحها تتفجر وتؤدي إلى الوفاة أو الإصابة والبتر".