Bisan

صور | جماجم متناثرة ودمار على مدّ البصر.. هذا ما خلّفه الاحتلال في محور نتساريم

Soruce تقارير
صور | جماجم متناثرة ودمار على مدّ البصر.. هذا ما خلّفه الاحتلال في محور نتساريم
محمد النعامي

محمد النعامي

محمد النعامي، صحفي من غزة

*تتضمن هذه القصة صورة على الأقل قد تكون غير مناسبة للجميع.

دمارٌ شامل، وحواجز، ومواقع عسكرية، وحفرٌ عميقة، وبقايا هياكل عظمية؛ هي الشواهد العينيّة على إجرام الاحتلال ودمويته في الموقع الذي قال إنه باقٍ فيه، لكنه انسحب منه جزئيًا بعد بداية صفقة التبادل في 19 كانون الثاني/يناير، ويُنتظر استكمال الانسحاب منه بشكلٍ كامل.

وثّقت كاميرا "الترا فلسطين" جمجمةً ومقتنياتٍ، يٌتوقع أنها لشهيد فلسطينيّ أعدمه الاحتلال ميدانيًا في محور نتساريم.

هكذا باتت ملامح منطقة نتساريم، عقب الانسحاب الإسرائيلي منها، مع بقاء قوّات  الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة الشرقية من المحور، بعدما كانت لسنواتٍ من أجمل مناطق القطاع؛ حيث المنتجعات ومدن الألعاب، والاستراحات البحرية، والمنازل الجميلة، وصالات الأفراح.

كلّ شيء تمّ تدميره، والخراب في كلّ مكان، ومناطق فرح الغزيين تحوّلت إلى سجونٍ ومواقع عسكريّة شهدت مئات، وربما آلاف، عمليات الإعدام الميداني. فيما باتت هذه المناطق، التي اشتهرت طيلة أيام الحرب باسم (طريق الموت)، ممرًّا لعودة النازحين.

تجوّل "الترا فلسطين" في منطقة نتساريم، ووثّق مشاهد الدمار، والمواقع العسكرية السابقة التي اتخذها الاحتلال مقارًا له.

وفي الطريق من تبة النويري غرب مخيم النصيرات، وحتى دوّار النابلسي جنوب غرب مدينة غزة، كانت آثار النشاط الإسرائيليّ العسكريّ واضحة، وشاهدها الأبرز الدمار الهائل في كلّ مكان.

وبعد تجاوز تبة النويري، تظهر مدينة الأسرى المدمّرة، وهي التي كانت تضمّ عددًا كبيرًا من الأبراج السكنية غرب مخيم النصيرات. إذ دمّر جيش الاحتلال كافة المناطق المحيطة بالمنطقة، باستثناء بعض المباني التي تحصّن فيها قنّاصته، لقنص المئات من الفلسطينيين داخل مخيمات النزوح، التي لا تبعد سوى 200 متر عن مناطق تمركزهم.

دمار الأبراج السكنية
دمار واسع في الأبراج السكنية
مدينة الأسرى
ما تبقى من مدينة الأسرى في وسط غزة
مدينة الزهراء
الجانب الغربي المدمر من مدينة الزهراء
الدمار في غزة
ركام أحد المنازل في منطقة نتساريم
دمار واسع في ممر نتساريم
دمار واسع في ممر نتساريم
دمار نتساريم
الاحتلال دمر منطقة وسط قطاع غزة بشكلٍ ممنهج وتوسع بالدمار طوال الحرب
نتساريم
تعد المنطقة التي تمركز فيها الاحتلال من أجل المناطق في قطاع غزة
مناطق فرح الغزيين تحوّلت إلى سجونٍ ومواقع عسكريّة
مناطق فرح الغزيين تحوّلت إلى سجونٍ ومواقع عسكريّة

وتُعتبر المنطقة الواصلة ما بين تبة النويري ومدينة الأسرى، إحدى المناطق التي شهدت العديد من المجازر بحق فلسطينيين حاولوا العودة من جنوب القطاع إلى شماله، على مدار أشهر الحرب الأخيرة.

كانت إحدى كبرى المجازر، ليلة الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2024، بعد توجيه إيران ضربةٍ صاروخيّة كبيرة لقواعد الاحتلال العسكرية، ومن ضمنها محور نتساريم.

وبالفعل نجحت الصواريخ الإيرانية بإصابة المحور، ما دفع المئات من النازحين لمحاولة الاقتراب منه، في محاولةٍ للعبور نحو مناطقهم التي نزحوا منها. فيما قابل الاحتلال هذه التجمّعات بالقصف العشوائي؛ ما أدى لارتقاء عددٍ كبيرٍ من الشهداء يقدّر بـ 300 شهيد ومفقود، حتى أن الطواقم الطبية لم تتمكّن من الوصول لجثامين الشهداء. كما ركز الاحتلال، في ذات الليلة، قصفه على مخيمات النزوح كردة فعلٍ انتقامية.

وتوثّق الهياكل العظمية، المتناثرة والممتدّة على طول محور نتساريم، تلك المجازر. فيما تركزّت الإعدامات الميدانية في الجانب الشرقي لمحور نتساريم الموازي لشارع صلاح الدين، والذي لم ينسحب الاحتلال منه تمامًا حتى الآن. وقد وثّقت كاميرا "الترا فلسطين" جمجمةً ومقتنياتٍ، يٌتوقع أنها لشهيد فلسطينيّ أعدمه الاحتلال ميدانيًا.

عظام جثة شهيد في نتساريم
بقايا جثة لشهيد فلسطيني في محور نتساريم
تُعتبر المنطقة الواصلة ما بين تبة النويري ومدينة الأسرى، إحدى المناطق التي شهدت العديد من المجازر بحق فلسطينيين حاولوا العودة من جنوب القطاع إلى شماله
تُعتبر المنطقة الواصلة ما بين تبة النويري ومدينة الأسرى، إحدى المناطق التي شهدت العديد من المجازر بحق فلسطينيين حاولوا العودة من جنوب القطاع إلى شماله
مار نتساريم
في الطريق من تبة النويري غرب مخيم النصيرات، وحتى دوّار النابلسي جنوب غرب مدينة غزة، كانت آثار النشاط الإسرائيليّ العسكريّ واضحة
تجوّل "الترا فلسطين" في منطقة نتساريم، ووثّق مشاهد الدمار، والمواقع العسكرية السابقة التي اتخذها الاحتلال مقارًا له
تجوّل "الترا فلسطين" في منطقة نتساريم، ووثّق مشاهد الدمار، والمواقع العسكرية السابقة التي اتخذها الاحتلال مقارًا له
كلّ شيء تمّ تدميره، والخراب في كلّ مكان
كلّ شيء تمّ تدميره، والخراب في كلّ مكان

وسبق أن وثّق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، مئات حالات الإعدام الميدانيّ لعابري ممرّ نتساريم. وكانت هناك العديد من الأدلّة على تحويل إسرائيل المحور، لموقع قتلٍ وتعذيبٍ وتنكيل، من بينها روايات العابرين، حول مشاهدتهم أعدادًا كبيرةً من جثث الشهداء ملقاةً حول الممر. لا سيما وأن عددًا من العائلات كانت تحاول، لدى عبورها الطريق الواصل بين جنوب القطاع وشماله، البحث عن بقايا من رفات أبنائها الذين فُقدوا خلال الحرب.

مراسل "الترا فلسطين" التقى الشاب محمود شعت، أثناء تجوله مع أقاربه في محور نتساريم، بحثًا عن أيّ شيء يقوده لمعرفة مصير أفرادٍ من عائلته، كانوا قد اختفوا على حاجز نتساريم قبل نحو عام.

وقال محمود شعت، إن شقيقته وزوجها وطفليهما نزحوا خلال آذار/مارس 2024، من مدينة غزة على وقع الاجتياحات الإسرائيلية للمدينة، وكذلك المجاعة المستشرية حينها. وقد انقطع التواصل معهم بعد تجاوزهم منطقة "دولة" على شارع صلاح الدين. ومنذ ذلك الحين، لم يعرف عنهم أيّ شيء، حتى بعد مراجعة الصليب الأحمر.

وأضاف في حديث لـ الترا فلسطين: "سألنا عنهم  العديد من الأقارب المتبقين في غزّة، وبالتحديد حي الزيتون، وكذلك ذهبنا لمشفى العودة والأقصى في المنطقة الوسطى، لنتحرى إن كانوا ضمن الشهداء مجهولي الهوية، ولكن لم نفلح. ومنذ الانسحاب الإسرائيليّ من محور نتساريم جئنا إلى هنا عدة مرات في محاولة للبحث عن شيء يدلنا عليهم، كالبطاقة الشخصية، أو أمتعتهم".

وأوضح شعث أنه وجد، خلال بحثه، العديد من الهياكل العظمية، وآثار الشهداء وملابسهم، وكان يدل طواقم الدفاع المدني عليها. مؤكدًا أن من يقومون بالحفر لاستخراج جذور الأشجار بقصد التدفئة، يجدون تحت الرمال العديد من الجثامين التي طمرتها آليات الاحتلال.

أحد المواقع العسكرية الإسرائيلية في ممر نتساريم
أحد المواقع العسكرية الإسرائيلية في ممر نتساريم
أقام الاحتلال عددًا من المواقع بشكلٍ متاخمٍ لشارع الرشيد قبالة بحر غزّة
أقام الاحتلال عددًا من المواقع بشكلٍ متاخمٍ لشارع الرشيد قبالة بحر غزّة
حواحز أقامها الاحتلال الإسرائيلي في ممر نتساريم
حواحز أقامها الاحتلال الإسرائيلي في ممر نتساريم
مكعبات إسمنتية أغلق فيها الاحتلال شارع الرشيد
مكعبات إسمنتية أغلق فيها الاحتلال شارع الرشيد
مكعب إسمنتي وضعه الاحتلال في شارع نتساريم
مكعب إسمنتي وضعه الاحتلال في شارع نتساريم

ومع التقدّم في السير نحو شمال القطاع، تبدأ بالظهور المواقع التي خصّصها الاحتلال لتمركز جنوده وإدارة العمليات البرية، وكذلك نقاط الحراسة، ومناطق تجمع الآليات بالإضافة لما يعرف في غزّة بـ (الحلابات)، وهي الحواجز الأمنية الإلكترونية، التي استخدمها الاحتلال لاعتقال الغزيين أثناء العبور منها.

وأقام الاحتلال عددًا من المواقع بشكلٍ متاخمٍ لشارع الرشيد قبالة بحر غزّة، في منطقة البيدر، والشيخ عجلين، والزهراء، فيما أنشأ مواقع أخرى باتجاه الشرق. كما استخدم بعض منازل الغزيين كجزءٍ من المواقع العسكريّة، ونشر حولها سياجًا شائكًا، وأعدّ لها بوابات. 

الجدير بالذكر، أن 35 جنديًّا إسرائيليّا قُتلوا، داخل مواقعهم في نتساريم، جرّاء عمليات الفصائل الفلسطينية، وضرباتها الصاروخية.

شارع نتساريم
الطريق الذي شقه الاحتلال في ممر نتساريم
شارع محور نتساريم
شارع محور نتساريم

ويتلو المواقع العسكرية، الطريق الجديد الذي شقّته قوّات الاحتلال من الحدود الشرقية لمنطقة جحر الديك وسط القطاع، وحتى ساحل البحر منتصف شارع الرشيد غربّا. وكان الإعلام الإسرائيلي صوّر هذا الطريق على أنه طريقٌ دائم وأساسيّ، وسيبقى طريق إمدادٍ لقوات الاحتلال في غزة.

وعلى مقربة من هذا الطريق من جهة الشمال، يظهر موقع الميناء الأميركيّ العائم، الذي روّجت له الولايات المتحدة كميناءٍ مخصّص لنقل المساعدات للقطاع، واستخدم لاحقًا أنه كان حجر الأساس في العملية الإسرائيلية في مخيم النصيرات، بتاريخ 8 حزيران/ يونيو 2024، التي أسفرت عن استرجاع 4 من الأسرى الإسرائيليين، أدت إلى مجزرة كبيرة راح ضحيتها قرابة 300 شهيد، وأكثر من 700 جريح؛ حيث دخلت القوة الإسرائيلية ومعداتها من خلال شاحنات المساعدات القادمة من الرصيف العائم.وعقب العملية، فكّك الجيش الأميركيّ الميناء العائم بحجة سوء الأحوال الجوية، وعدم جدوى الميناء في نقل المساعدات.

الميناء الأميركي العائم في وسط قطاع غزة
الميناء الأميركي العائم في وسط قطاع غزة
من عودة أهالي قطاع غزة إلى شماله
من عودة أهالي قطاع غزة إلى شماله

يشار إلى أن "الترا فلسطين"، كان قد تناول دور الميناء الأميركي العائم، في عملية النصيرات، ضمن تحقيق مفصل، مع تأكيد استخدام المنطقة ضمن عملية الانسحاب على الأقل.

أما بشأن الانسحاب من كامل نقاط التمركز على محور نتساريم، فهذا ما يترقبّه الفلسطينيون، غدًا، في اليوم الـ 22 لدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، حسب بنود الاتفاق. فيما تسود التخوّفات من أن الاحتلال سيُماطل في هذه الخطوة، نظرًا إلى أنه لم يلتزم، حتى الآن، بتنفيذ كامل بنود المرحلة الأولى من الاتفاق.