يقترب دخول القرار الإسرائيلي بحظر عمل وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" في الأراضي الفلسطينية حيّز التنفيذ، وبينما ترفض الوكالة الأممية القرار وتؤكد استمرار عملها، يشعر اللاجئون الفلسطينيون بالقلق.
الأونروا تتحمل مسؤولية نحو 90 في المئة من العمليات الإنسانية الاغاثية في قطاع غزة، فهي المنظمة الأكبر، وليس من الممكن إيجاد بديل عنها
ويصف اللاجئ باسم المصري القرار الإسرائيلي في حال تطبيقه بأنه "كارثة" ستحل باللاجئين الفسلطينيين، خاصة في قطاع غزة، الذي سيعاني لسنوات طويلة قادمة من ويلات حرب الإبادة الجماعية التي شنّتها "إسرائيل"، وقضت على مقومات الحياة فيه.

ويرى المصري، الذي ينحدر من أسرة لاجئة من بلدة الفالوجا داخل الخط الأخضر، في "أونروا" بأنها "سندٌ لكل لاجئ فلسطيني في الداخل والخارج، وتقدم خدمات حيوية مهمة لا يمكن الاستغناء عنها".
لم يعايش المصري (59 عامًا) أحداث النكبة، وقد اضطرت أسرته إلى اللجوء لبلدة بيت حانون في شمال القطاع، فيما هو اليوم نازح مع أسرته (12 فردًا) في مركز إيواء داخل مدرسة في مدينة خان يونس، ويقول: "نعيش ما يشبه النكبة، ونكباتنا لا تتوقف بسبب هذا الاحتلال، وينبغي استمرار عمل أونروا حتى زوال الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية".
ومثل والده، تلقى باسم المصري تعليمه في مدارس "أونروا"، ويقول: "بفضل مدارس أونروا المجانية نجحت في تعليم كل أبنائي وبناتي، والتحقوا بالجامعات وتخرجوا منها، ومن دون الخدمات التعليمية المجانية التي تقدمها الوكالة منذ النكبة ما كان غالبية اللاجئين ليتعلموا".
ويُضيف: "حياتنا تعتمد بشكل رئيسي على أونروا في الصحة والتعليم، وكذلك في المساعدات الغذائية التي تقدمها أونروا كل 3 شهور لفئات اللاجئين الأشد فقرا وهشاشة".
ولم تقتصر خدمات "أونروا" خلال الحرب على اللاجئين الذين يمثلون زهاء 70 في المئة من بين مليونيين و300 ألف نسمة في القطاع، فقد حرصت الوكالة الأممية على دعم كل السكان بالمساعدات الإنسانية التي تبقيهم على قيد الحياة، في وقت شددت فيه قوات الاحتلال من حصارها لغزة وقطعها لسبل الحياة عن الغزيين.
ويؤكد المفوض العام "لأونروا"، فيليب لازاريني، أن الوكالة ستواصل تقديم المساعدات للفلسطينيين رغم الحظر الإسرائيلي، مشددًا أن قرار حظرها ومنع عملها في الأراضي الفلسطينية هو "انتهاك للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة".
من جانبها، اللاجئة الخمسينية رغدة البساينة، ترى في حظر الوكالة "مصيبة كبرى" ستحل بملايين اللاجئين الفلسطينيين، الذين يعتمدون بصورة أساسية على خدماتها في الصحة والتعليم والغذاء.
وتقول رغدة: "الحرب دمرتنا، وخسرنا أرواحنا وأعمالنا ومنازلنا، ولم يتبق لنا سوى المساعدات التي تقدمها أونروا كي نعيش مع أطفالنا، فماذا نفعل إذا حظروها ومنعوا عملها وتوقفت هذه المساعدات؟".
وتعتقد رغدة، وهي نازحة أيضا تقيم مع أسرتها في مدرسة بيت المقدس غرب مدينة غزة، أن الاعتماد على خدمات "أونروا" سيزيد جراء الحرب، وتتخوف من فوضى عارمة وحدوث مجاعة إذا توقفت مساعدتها وخدماتها المختلفة.
فشل خلق بديل لأونروا
ووفقًا للمستشار الإعلامي "لأونروا"، عدنان أبو حسنة، فإن الوكالة تتحمل مسؤولية نحو 90 في المئة من العمليات الإنسانية الاغاثية في قطاع غزة، فهي المنظمة الأكبر، وليس من الممكن إيجاد بديل عنها، وقد فشلت كل المحاولات الإسرائيلية في ذلك خلال الحرب.
ويوضح عدنان أبو حسنة، في حديث لـ الترا فلسطين، أن هناك محاولاتٍ إسرائيلية مع منظمات دولية أخرى مثل اليونيسيف والغذاء العالمي، وغيرها، أو مع جهات محلية، لتقوم بعمل "أونروا"، وقد فشلت هذه المحاولات نتيجة رفض هذه المنظمات والجهات أن تقوم بدور البديل، حيث لا يمكن لها أن تحل مكان "أونروا" بكل إمكانياتها وخبراتها.
وتأسست "أونروا" في العام 1949 بموجب تفويض من الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتقديم الدعم الإغاثي والتعليم والصحة للاجئين الفلسطينيين في 5 مناطق هي الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، وقد قدمت منذ تأسيسها خدمات حيوية لحوالي 5.7 مليون لاجئ فلسطيني.
ويقول أبو حسنة: "الأمر لا يتعلق فقط بتوزيع مساعدات ومعلبات، وإنما بتفويضٍ وقراراتٍ أممية، ونحن نعمل في هذه المناطق بموجب هذا التفويض، وليس بموجب ترخيص إسرائيلي".
ويُضيف: "ليس لأي منظمة أخرى ما نمتلك من تاريخ وقدرات هائلة تضمن استمرارية الخدمات الحيوية التي تمثل شريان الحياة بالنسبة للاجئين، ومن أجل ذلك لدينا 13 ألف موظف ثابت، و10 آلاف موظف على بند عقود متنوعة".
وهذه الخدمات، وفق ما يؤكد أبو حسنة، ستزيد الحاجة لها بعد توقف الحرب، حيث ستخرج الناس في غزة منهكة وبحاجة ماسة لكل شيء، "وفي قطاع التعليم وحده لدينا 650 ألف طفل شردتهم الحرب ولابد من إعادتهم للمدارس والكثير منها مدمر، وكذلك طاول التدمير غالبية العيادات الصحية التابعة لنا في أنحاء القطاع ولابد من إعادة إعمارها لضمان استمرارية الخدمة الطبية المجانية، فضلاً عن حاجة السكان للمساعدات الإغاثية".
إعلان حرب
وترفض "أونروا" القانونين الذين أقرهما الكنيست الإسرائيلي بحظر عملها في تشرين الأول/أكتوبر 2024، ومن المقرر أن يدخلا حيز التنفيذ في 28 كانون الثاني/يناير الجاري.
وبإصرار يقول أبو حسنة: "إذا أرادت إسرائيل أن تمنع عملنا فلتفعل بالقوة، ولكننا لن نتبرع بوقف عملنا وتوقف خدماتنا، وسنواصل العمل في شمال القطاع وجنوبه".
هناك محاولاتٍ إسرائيلية مع منظمات دولية أخرى مثل اليونيسيف والغذاء العالمي، وغيرها، أو مع جهات محلية، لتقوم بعمل "أونروا"، وقد فشلت هذه المحاولات
وحتى قبل دخول القرار حيز التنفيذ تضع "إسرائيل" قيودًا مشددة أمام "أونروا" لعرقلة عملها. وتشير البيانات إلى أنها رفضت في كانون الأول/ديسمبر 2024 نحو 70 في المئة من طلبات الوكالة الأممية للتنسيق لإدخال مساعداتٍ للقطاع.
ويصف رئيس "المرصد الأورومتوسطي لحوق الإنسان"، رامي عبده، إجراءات "إسرائيل" المستمرة ضد "أونروا" منذ سنوات، بأنها "إعلان حرب على مجتمع اللاجئين الفلسطينيين".
وبحسب عبده، تزداد خطورة هذا القرار في أنه يأتي في وقت تشتد فيه الظروف المعيشية للاجئين تدهورًا، خاصة في القطاع، الذي يحتاج إلى تضافر الجهود والمساعدات بعد الويلات التي عايشها الفلسطينيون في غزة خلال حرب الإبادة.