لا تتوقف الاستغاثات من ذوي المرضى المصابين عبر وسائل التواصل الاجتماعي طلبًا لأكياس "الكولوستومي"، فيما لا يفوّت هؤلاء فرصة للذهاب إلى المشافي والجمعيات المعنية من أجل الحصول عليها. فأكياس الفغرة هي واحدة من أهم المستلزمات الطبية التي افتقدها سكان قطاع غزة خلال الحرب التي رافقها حصار شديد، منعت بموجبه إسرائيل دخول الأدوية والمستلزمات الطبية للقطاع.
هذه الأزمة الإنسانية والصحية المتفاقمة تهدد حياة أكثر من 1000 مريض مسجلين لدى وزارة الصحة، يعانون من نقص حاد في مستلزمات "الكولوستومي" الحيوية، خاصة في أعقاب "الحرب الطاحنة" التي أدت إلى تزايد الإصابات التي تتطلب عمليات في القولون.
هناك قائمة طويلة من النواقص التي تتسبب في انضمام شرائح جديدة من المرضى شهريًا إلى دائرة المعاناة والألم
الخوف من الانفجار: معاناة أيمن في خيمة النزوح
في كل ليلة، ينام الفتى أيمن نور (17 عامًا) داخل خيمة نُصبت في ساحة جامعة الأقصى (غرب مدينة خانيونس)، ويده على قلبه خوفًا من أن ينفجر كيس "الكولوستومي" خاصته. فالفتى الذي أُصيب برصاص الاحتلال في أغسطس/آب الماضي، فاق أكثر من مرة في الليل وقد لوّث انفجار الكيس ملابسه وفراشه المتواضع.
يعود ذلك إلى اضطراره لإبقاء هذا الكيس أكثر من يوم بسبب صعوبة توفير الأكياس في كافة أرجاء قطاع غزة، حيث تعمل عائلة الفتى وأصدقاؤه كخلية نحل من أجل توفير الأكياس له. فمنذ أُصيب الفتى واقتضى التدخل الطبي، يعاني أيمن ومحيطه معاناة كبيرة في توفير مستلزمات "الكولوستومي".
"من أصعب الأوقات، حين يمر أسبوع أو أكثر وأنا أستخدم كيس تفريغ واحد، أفرغه كلما امتلأ بعيدًا عن أعين أهلي"، هكذا تحدث أيمن عن حاله مع أزمة نقص مستلزم طبي هام لحالته الصحية.
الفتى ذو السابعة عشرة من العمر يعيش حياة قاسية بسبب إصابته برصاص قناص إسرائيلي، عندما غافل أسرته وذهب إلى مركز المساعدات الأمريكية في جنوب رفح، المدينة التي تعد مسقط رأسه والنازح منها قسرًا.
تقول أم أيمن: "غافلنا وذهب مع رفاقه إلى مركز المساعدات من أجل توفير بعض من الدقيق عندما كانت المجاعة تضرب الجميع هنا. ويوم أُصيب كانت مأساتي كبيرة، حين وجدت بطن ابني الصغير المدلل مفجورًا بفعل الرصاص واضطر الأطباء لاستئصال أجزاء من الأمعاء والاعتماد على فتحة جانبية للأمعاء من أجل إخراج الفضلات".
حفاظات الأطفال.. البديل المر
ليلة قاسية، مرت على السيدة إسراء عوض (34 عامًا) مع حماتها التي ترافقها منذ سنوات وتنزح معها الآن في مخيم الشاطئ (غرب غزة). فحماتها، التي أُصيبت بسرطان القولون قبل سبع سنوات واقتضى وضعها الصحي استخدام أكياس الكولوستومي، غيّرت خلال ساعات الليل ثلاث أكياس بسبب تناولها كمية طعام كبيرة.
لم تكن هذه الليلة غريبة على هذه العائلة، فالمعاناة في توفير مستلزمات الكولوستومي بدأت بشكل واضح مع اندلاع الحرب على غزة، حين اضطرت العائلة للنزوح من مخيم جباليا إلى جنوب القطاع ووسطه وغربه، وصاحب هذا النزوح شُح في توفير هذه الأكياس في غالبية الأوقات.
تقول إسراء: "زوجي في حالة بحث دائم عن هذه المستلزمات، ففقدان هذه الأكياس يعني نكسة كبيرة لنا كعائلة. في بعض الأحيان اضطررنا لاستخدام حفاظات الأطفال على فتحة القولون، ثم قمت بلف شريط لاصق عليها حتى لا تتسرب الفضلات".
تصمت إسراء قليلاً ثم تواصل: "كان الأمر قاسيًا جدًا على الجميع، لم نترك سبيلاً إلا وطرقناه من أجل الحصول على هذه الأكياس، كتبت العديد من المناشدات لكن الجميع كان يعجز عن المساعدة".
وتقول إسراء إن تناول حماتها غير المحدود للطعام يشكل هاجس قلق شديد بالنسبة لها، وتضيف: "الكبير كالطفل لا يدرك المعاناة، وتعتبر عمتي تحديد كمية الطعام تقصيرًا منا بحقها، حيث نضطر لتقليل الطعام بناءً على ما توفر لنا من أكياس".
نقص شديد
يكشف علاء حلس، مدير دائرة رعاية الصيدلة السريرية بوزارة الصحة بغزة، أن الاحتياج الشهري للمريض الواحد من مستلزمات الكولوستومي يبلغ 30 كيسًا و30 قاعدة، إلا أن شُح الكميات المتوفرة أدى إلى تقليص ما يُصرف للمريض حاليًا من وزارة الصحة إلى 10 أكياس و5 قواعد فقط، وهي كمية "لا تكفي بشكل أساسي".
وخلال حديثه لـ"الترا فلسطين"، يؤكد حلس أن هذا النقص الشديد يجبر المرضى على ممارسات "لا يمكن تصورها"، مثل إعادة استخدام الكيس أكثر من مرة، وهو ما يشكل خطرًا صحيًا ويهدد كرامة المرضى، خاصة الأطفال المصابين الذين يصعب عليهم التحكم والالتزام بالتعليمات اللازمة.
وقال حلس: "لا يمكن تصور معاناة المرضى الحقيقية بسبب هذا النقص الشديد في احتياج الكولوستومي والقواعد"، مؤكدًا أن العدد المتزايد للمرضى، الذي يتجاوز الألف، يجعل الأزمة أكثر تعقيدًا.
وفي سياق الجهود المبذولة، أكد مدير دائرة رعاية الصيدلة السريرية أن الوزارة تتواصل بشكل دائم ومستمر مع المؤسسات الدولية، مثل منظمة الصحة العالمية والهلال الأحمر القطري، لتوفير هذه المستلزمات.
إلا أنه أشار إلى أن الاستجابة "بسيطة" في ظل الوضع الحالي، وأن "المشاكل ما زالت قائمة". وناشد حلس كل المؤسسات الدولية للمساعدة في هذا الملف، مشددًا على أن التكلفة الإجمالية لتوفير الاحتياج الشهري ليست "كبيرة جدًا" مقارنة بحجم الأزمة وضرورة صون كرامة وحياة المرضى.
من جهة أخرى، لا تقتصر الأزمة على مستلزمات الكولوستومي فحسب، بل امتدت لتشمل نقصًا حادًا في المستلزمات الطبية المساعدة الحيوية الأخرى، حيث يشير حلس إلى أن هناك قائمة طويلة من النواقص التي تتسبب في انضمام شرائح جديدة من المرضى شهريًا إلى دائرة المعاناة والألم.
ويقول حلس: "المشكلة الحقيقية الآن تكمن في نقص مستلزمات الغيار الخاصة بالمرضى، ومواد العمليات مثل (Gauze Swab) شاش العمليات و(Laparotomy Sponge) إسفنجة العمليات البطنية. بل هناك توقف خدمات حيوية بالكامل بسبب نقص المستهلكات الطبية، ومنها خدمة القسطرة القلبية، حيث لا يوجد أي صنف مستهلك طبي خاص في خدمة القسطرة، وأيضًا هناك خدمة جراحة القلب المفتوح لم يتم إيجاد أي مستهلك طبي خاص بهذه الخدمة، مما أدى إلى توقفها بالكامل".