بيسان

انتهت الحرب.. لكن حاجة غزة للدواء لم تنتهِ

المصدر تقارير
انتهت الحرب.. لكن حاجة غزة للدواء لم تنتهِ
رفيف اسليم

رفيف اسليم

صحفية فلسطينية مختصة في إنتاج تقارير المساءلة الخاصة بالقضايا الاجتماعية وقضا...

ينظرُ عبد السلام أبو مرعي إلى جهازِ السكرِ الملقى على الطاولة محدثًا نفسه: «ما نفعُك أنتَ ولا شرايحٌ لاستخدامك»، مستذكرًا ذلك اليوم الذي ذهبَ فيه إلى الصيدليةِ يطلبُ شراءَ مستلزماتِ جهازِ قياسِ نسبةِ السكري في الدم، فأجابه الصيدليُّ أنها نفدت من الصيدليات كما باتَ ينفدُ الكثيرُ من أنواعِ الأدوية في المدينةِ مؤخرًا.

يحدثُنا أبو مرعي أنّ ذهابَه المتكررَ إلى المرحاض كلَّ خمس دقائقٍ، والإعياءَ الشديدَ الذي أصابه، كلها علاماتٌ أخرجها جسدُه ليخبرَه بارتفاعٍ شديدٍ أو انخفاضٍ في نسبةِ السكرِ في دمه، لكن لمعرفةِ العلةِ بالتحديدِ عليه قياسُ نسبةِ السكر، مستذكرًا أنّ حتى تلك الخطوةَ لا نفعَ منها؛ فلا أدويةَ ولا نقاطٌ طبيةٌ حكوميةٌ تعملُ على توزيعِها بانتظامٍ حتى اللحظةِ الراهنة.

من تحت الركام، يبحث مرضى غزة عن جرعة دواء تُعيد إليهم بعض الحياة

ويكمل: "قبل العدوان على قطاع غزة كنت أذهبُ للمستوصفِ الطبي التابعِ لمنطقتي؛ فقد فتحوا لي ملفًا خاصًا باسمي منذ إصابتي بمرضِ السكري، وأوصوا في بدايةِ كلِّ شهرٍ بزيارتهم لأخذِ حصتي من العلاجِ التي تكفي لمدةِ شهرٍ. كانت أقصى مدةٍ زمنيةٍ قد يتأخرُ فيها التسليم ساعةً أو ساعتين، بينما اليومَ أقف من الثامنة وحتى الواحدةِ ظهرًا لأستلمَ حصةً لا تكفيني سوى لأيامٍ معدودة".

الأربعيني أبو مرعي ليس وحده؛ هناكَ الستينيةُ نافذة أبو كميل التي تفتقدُ دواءَ الضغط منذ شهرٍ مضى فتقولُ إنّه من الصعبِ عليها الذهابُ للنقاطِ الطبيةِ الحكومية، لذلك هي معتادةٌ على شراءِ الدواء من الصيدليات الخاصة التي جمعت الأدويةَ من المدينةِ كأنّها خلت من السكان ورحلوا نحو الجنوب، مشيرةً إلى أنّها لم تأخذْ الدواءَ منذ أيامٍ؛ لذا سترسلُ حفيدها جنوبًا أسهلُ من انتظارِ رجوعِ الدواء لتتخلصَ من الصداعِ اللعين.

تطلقُ رولا عطالله تنهيدةً وهي تروي قصتَها لـ"الترا فلسطين" فتفيد: "أصابني مرضُ التهابِ الغدةِ الدرقية الذي سببَ لي ورمًا في الرقبة، شخصَ البعضُ في البداية على أنّه سرطانًا، وبعد إجراءِ الفحوصاتِ اللازمةِ كُشِفَ المرضُ وكتبَ الطبيبُ العلاج، لكني اصطدمتُ بمشكلةِ عدمِ توافرِ الأدوية. نُصحتُ بالتوجهِ إلى المشفى الأردني أو الإغاثةِ الطبية للبحثِ عنه، في الوقتِ الذي أعلنتْ فيه قواتُ الاحتلالِ الإسرائيلي بدءَ العمليةِ البريةِ العسكريةِ في قطاع غزة".

وتضيف: "احتُلَّ المشفى الأردني وأخرج الطاقمُ منه، فيما قصفت طائراتُ الاحتلالِ مبنى الإغاثةِ الطبية فطارَ الدواءُ في الهواء وتناثرَ مع الشظايا، وهددت غالبيةَ النقاطِ الطبيةِ الحكومية بالقصفِ فخرجت عن الخدمة"، متسائلةً: أينَ ممكنٌ لي البحثُ عن الدواء؟ خاصة أنّها فتشتَ عنه في الصيدليات الخاصة فلم تجدْ في المدينةِ سوى نصفَ شريطٍ.

يخبرُ الطبيبُ عطالله أنّ عليها البدءَ بالعلاجِ كي لا تتفاقمَ الحالةُ وتحدثَ مضاعفاتٌ لا يُحمدُ عقباها، وهي تجيبه أنّها لا حولَ لها ولا قوة؛ ما زالت تنظرُ إمّا إلى قدرِ الله أن ينفَدَ الدواءُ، أو أن تدخلَ تلك الأدويةُ اللعينةُ مدينةَ غزة وتتمكنَ هي وآلافُ المرضى من بدءِ رحلةِ علاجهم أو استكمالِ ما قطعه العدوان، لافتةً أنّها متفائلةٌ بالاتفاقِ الجديدِ الذي سينقذُ أوضاعَ المرضى خاصّةً أصحابَ الأمراضِ المزمنة.

بدورها، لا تنكرُ مي دهمان الوضعَ الصحيَّ العصيبَ الذي تقعُ فيه كلما أصابَتها موجةُ حساسيةِ الصدر "الربو". في السابق كان كلُّ ما عليها فعلهُ وضعُ مادةِ الفنتولين وحقنُها في جهازِ التنفسِ المنزلي ثم توصيلُه بالكهرباء لتحصلَ على تبخيرةٍ وتعودَ الأمورُ إلى طبيعتها، بينما اليوم يتطلب الأمر الذهابَ إلى المشفى والانتظارَ في طابورٍ طويلٍ وهي تقف على قدميها، وقد لا تحصلَ عليها لكونِ لا مكانَ في المشفى.

تردفُ دهمان أنّ الوضعَ في مدينةِ غزة بات أكثرَ صعوبةً من كلِّ النواحي؛ فالحياةُ أصبحت تشبه حياةَ البدوِ الرحل من مكانٍ إلى مكانٍ، ولا طبٌ عربيٌّ بديلٌ ينقذهم كما كان ينقذ سكانَ الصحاري، فيبقى المريضُ يتوجعُ لأيامٍ عدةٍ بدلًا من الانتظارِ في طوابيرٍ طويلةٍ قد ينتهي اليومُ وتغلقُ المستشفى أبوابَها والمريضُ لم يحصلْ على العلاجِ بعد.

من القولونِ العصبيّ حتى وجعِ الأسنان يبحثُ محمدُ عاشور عن علاجٍ فلا يجدُ؛ يجربُ حجزَ موعدٍ مع طبيبِ الأسنان ويسألُ عن الأسعارِ، ثم يقررُ البقاءَ كما هو الحالُ؛ فالوجعُ يحتملُ مقارنةً بأسعارِ العلاج إن توافرَ، متسائلًا: "ما الضررُ الذي سيتشكل على إسرائيل إن سمحت بإدخال بعض أنواعِ الأدوية وحشواتِ الأسنان؟ لماذا يتلذّذون بعذابِنا إلى هذا الحدّ".

يتمنى عاشورُ من مؤسساتِ حقوقِ الإنسان ومنظماتِ الصحّةِ العالميةِ التي كفرَ بها وبوجودِها مؤخرًا، التحركَ والسماحَ للمرضى في قطاعِ غزة بنيلِ حقّهم في العلاج، والضغطَ على الاحتلالِ ليسمحَ لشاحناتِ الأدوية بالمرور، مع البدءِ بإدخالِ بعضِ الأنواعِ التي حُظرَ إدخالُها منذ عامين أي منذ بدءِ العدوانِ على المدينةِ المنكوبة.