تتابع غادة نصر الله (34 عامًا) كل صباح عبر مواقع التواصل ما سيُسمح بدخوله إلى غزة من مساعدات ومواد تجارية، على أمل أن تجد بينها لحومًا أو ألبانًا أو فواكه أو خضروات طازجة، تقيها وأطفالها وجنينها خطر سوء التغذية، لكن في كل مرة لا تجد إلا شاحنات محملة في الغالب بالمعلبات والبسكويت والمشروبات الغازية، وهي أطعمة لا تشبع ولا تسد احتياجًا.
بينما تخلو أسواق قطاع غزة من الخضار والفواكه الطازجة واللحوم والبيض والحليب ومشتقّاته، تمتلئ هذه الأسواق بالكاتشب والمايونيز والشيبسي والنسكافيه والبسكويت والمخلّلات والمعلّبات مثل الذرة والفطر
تقول غادة، وهي حامل في شهرها الرابع: "الطبيب أوصاني بتناول الخضار واللحوم للحفاظ على صحة جنيني، لكن هذه الأصناف غائبة عن الأسواق، نحن نعيش على المسليات التي لا تشبع ولا تفيد". ونتيجة لذلك تعاني غادة من دوار دائم، وتخشى على طفلها الذي لم يولد بعد، إذ يقول الأطباء إنه لا ينمو بشكل طبيعي، ويرجعون ذلك لسوء التغذية.
وتوضح غادة نصر الله أنها تحاول قدر المستطاع تعويض بعض النقض بما يتوفر من عدس أو سبانخ، لكنها تدرك أن ذلك لا يكفي لتأمين ما يحتاجه جسدها وجنينها من عناصر أساسية.
أما الطفل النازح في خان يونس مالك فارس فينقص وزنه يومًا بعد يوم، إذ إنه لم يتناول منذ أكثر من أربعة أشهر طعامًا غنيًا بالعناصر الأساسية مثل اللحوم والخضار والفواكه، ولا يأكل إلا المعلبات والمعكرونة والعدس، حتى بات وجهه شاحبًا وعيناه غائرتان، ولم يعد يقوى على اللعب مثل أقرانه.
وتقول والدة مالك: "حتى عندما سمح الاحتلال بإدخال بعض المواد الغذائية، اقتصرت على البسكويت والشيبس والمشروبات الغازية وبعض المكملات المعلبة، وهي لا تعوّض النقص الحاد في الفيتامينات والمعادن الذي يعاني منه الأطفال منذ اندلاع الحرب قبل نحو عامين".
وتضيف أن ندرة الدقيق أجبرها على ابتكار بدائل جديدة للخبز من العدس والفاصوليا لإطعام أبنائها، ولم يكن الخبز يحمل أي قيمة غذائية تُذكر، لكنه كان يسدّ الرمق.
وتابعت: "أطفالي يطلبون الدجاج واللحوم كل يوم، لكني أعجز عن تلبية طلبهم، فالسوق مليئة بالشيبس والنسكافيه والبسكويت والعصائر، أما الخضار واللحوم فمفقودة أو تباع بأسعار لا يقدر عليها أحد. الحصول على الخضار اليوم أشبه بالعثور على كنز".
وبينما تخلو أسواق قطاع غزة من الخضار والفواكه الطازجة واللحوم والبيض والحليب ومشتقّاته، تمتلئ هذه الأسواق بالكاتشب والمايونيز والشيبسي والنسكافيه والبسكويت وبعض العصائر والمشروبات الغازية والمخلّلات والمعلّبات مثل الذرة والفطر، وهي أغذية ليس لها أي قيمة غذائية متوازنة، لكنها أصبحت الخيار الوحيد أمام العائلات المحاصرة.
ويؤكد تاجر المواد الغذائية أحمد جندية أنّ الاحتلال الإسرائيلي يفرض قائمة طويلة من الأصناف الغذائية الممنوع دخولها إلى قطاع غزة متذرّعًا بحجج مختلفة، بينما يسمح في المقابل بدخول سلع ليست أساسية لحياة الناس ولا تلبي احتياجاتهم اليومية، مبينًا أن النقص في الأغذية الأساسية مثل اللحوم والبيض ومشتقات الحليب والخضار والفواكه أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار.
ويوضح جندية لـ "الترا فلسطين" أن قائمة الممنوعات تكشف بوضوح عن سياسة تقوم على التحكم في طبيعة السلع المتاحة، ما يضع المواطن والتاجر على حدّ سواء تحت ضغط دائم، في حين يوفّر الاحتلال مسليات وأغذية غير أساسية ليُظهر صورة زائفة عن وفرة الأسواق.
وبحسب تقارير أممية حديثة، يعاني أكثر من نصف أطفال غزة من سوء تغذية حاد، ويُظهر عدد كبير منهم أعراض نقص الفيتامينات (A -C -D)، ما يهدد بنشوء جيل ضعيف البنية يعاني أمراضًا مزمنة منذ طفولته.
وتبين أخصائية التغذية رشا الطويل أنّ المنتجات الشائعة مثل (الشيبس، البسكويت، الإندومي، والمشروبات الغازية) قد تُخفّف مؤقتًا من حدّة الجوع، لكنها لا تصلح بديلًا للغذاء الأساسي، بل تشكل خطرًا على الفئات الأكثر هشاشة كالأطفال دون سن الخامسة، والحوامل والمرضعات، ومرضى الأمراض المزمنة، وهو ما يُثقل كاهل النظام الصحي المُنهك أصلًا.
الاعتماد شبه الكلي على المُسليات يفضي إلى تفشّي سوء التغذية، وتأخر النمو، ونقص الفيتامينات الأساسية مثل( A - C ) والحديد لدى الأطفال، كما يعرض النساء الحوامل لمضاعفات خطيرة أبرزها فقر الدم وضعف صحة الأجنّة
وتؤكد الطويل لـ"الترا فلسطين" أنّ ما يتناوله الغزّيون اليوم يفتقر إلى الحدّ الأدنى من احتياجات الجسم، إذ يُستبعَد المصدر الأساس للبروتينات وهو اللحوم والخضار، مبينة أن هذا النهج يكشف عن سياسة ممنهجة لتجويع السكان عبر حرمانهم من الأغذية ذات القيمة العالية، واستبدالها بأطعمة فقيرة غذائيًا.
وتوضح أنّ الاعتماد شبه الكلي على المُسليات يفضي إلى تفشّي سوء التغذية، وتأخر النمو، ونقص الفيتامينات الأساسية مثل( A - C ) والحديد لدى الأطفال، كما يعرض النساء الحوامل لمضاعفات خطيرة أبرزها فقر الدم وضعف صحة الأجنّة.
أما كبار السن والمصابون بأمراض مزمنة كالسُّكري وارتفاع ضغط الدم، فإن الخطر الأكبر عليهم، وفقًا للطويل، يتمثل في نقص الفيتامينات(A - C -K) والفوليك أسيد والألياف، مما سيؤدي إلى إصابتهم بإمساك مزمن، واضطراب في بكتيريا الأمعاء، واحتباس السوائل وغياب التوازن الغذائي.
وأضافت أنّ بعض البدائل المحلية المحدودة يمكن أن تُسهم جزئيًا في سدّ الفجوة الغذائية، مثل أوراق البقدونس والملوخية لتعويض جزء من فيتامين (C)، والجزر أو الطماطم المجففة لتعويض فيتامين (A)، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن الحصول على هذه البدائل صعبٌ للغاية وسط حالة الغلاء المعيشي المستمر.
أما فيتامين (D)، فتؤكد رشا الطويل أنه شبه غائب عن وجبات السكان، مما أدى، بحسب التقديرات، إلى إصابة نحو 83 في المئة من الأطفال دون الخامسة بنقص حاد فيه، بما يهدد نموهم الطبيعي.
وتنصح الطويل بالاعتماد على البقوليات (العدس والفول والفاصولياء) والأرز والسردين المعلّب كمصادر بروتينية بديلة، وتناول الدهون الصحية المتاحة كالطحينة وزبدة الفول السوداني وزيت الزيتون، وإدخال مصادر الفيتامينات والمعادن مثل الليمون والفلفل الحلو، فيما شددت على ضرورة الاستفادة المعتدلة من منتجات البروبيوتيك الطبيعية مثل المخللات، مع مراعاة ضبط نسب الملح والسكر، خصوصًا لمرضى الأمراض المزمنة.
وفي تقرير نشره المكتب الإعلامي الحكومي مطلع أيلول/ سبتمبر، أوضح أن إجمالي الشَّاحنات التي دخلت قطاع غزة على مدار 35 يومًا بلغ 3188 شاحنة مساعدات فقط، أي ما يعادل 15 في المئة من عدد الشاحنات المفترض إدخاله في هذه الفترة وهو 21 ألف شاحنة مساعدات.
وبين المكتب الإعلامي أن الاحتلال يواصل منع دخول 430 صنفًا من الأغذية الأساسية التي يحتاجها الأطفال والمرضى والمُجوّعون، مبينًا أن قائمة المحظورات تشمل المواد الغذائية الحيوية، أبرزها: بيض المائدة، اللحوم الحمراء، اللحوم البيضاء، الأسماك، الأجبان، مشتقات الألبان، الفواكه، الخضار، المكملات الغذائية، إضافة إلى عشرات الأصناف الأخرى مثل المكسرات أو المدعمات التي تحتاجها السيدات الحامل والمرضى.
وتشير بيانات صادرة عن منظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي حتى أيار/ مايو 2025، أنَّ 92 في المئة من السلّات الغذائية التي تُوزّع على النازحين لا تحتوي على أيّ نوع من الفاكهة الطازجة، أمّا الخضار، فتتوفر بشكلٍ جزئي في أقلّ من 10 في المئة من نقاط التوزيع.