بيسان

السكر المفقود.. محليات صناعية خطرة تهدد صحة أهالي قطاع غزة

المصدر تقارير
السكر المفقود.. محليات صناعية خطرة تهدد صحة أهالي قطاع غزة
ميرفت عوف

ميرفت عوف

صحفية من فلسطين

في وقت الظهيرة، عاد كريم (عشرة أعوام) إلى البيت وهو يرتشف من كيس الشراب المثلج الذي اشتراه لتوّه من مصروفه، وبينما هو كذلك، أغرى الشراب الذي تُرصّعه قطرات المياه أمه فطلبت منه تذوّق القليل منه. وعندما فعلت، سرعان ما ارتسم الاشمئزاز على وجهها. لقد صُنع المشروب بإضافة "المضاد الحيوي" إلى السكّرين كي يُمنح مذاق الفاكهة والسكر.

خلال حرب غزة، ومع انقطاع السكر واحتكاره وتخزينه لرفع أسعاره ضمن غالبية المواد التي حُرم السكان منها، لجأ التجار لبيع كل ما يمكن استخدامه كبديل للسكر، وأصبحت أسواق غزة تعجّ بمحليات عدة لا تحمل بطاقة بيان، ولا توصيفًا لاسم المادة، ولا أي تحذير للاستخدام الآمن لها.

بدائل السكر.. مثل سكر اللوز تباع بالجرام الواحد في قطاع غزة مقابل 5 دولارات تقريبًا

تُباع الآن في أسواق غزة أصناف مثل الجلوكوز، والسكّرين، والسكرالوز، والسيكلامات كمحليات طعام، ورغم سماح منظمة الصحة العالمية بتناول هذه المُحليات ضمن المنتجات المصنّعة، إلا أنها وضعت شروطًا صارمة تتعلق بكمية ونوعية الاستخدام، وهي شروط من الصعب تطبيقها في البيوت، مما يجعل لهذه المحليات أضرارًا جانبية.

المحليات تغزو البيوت

في حي "أحمد ياسين" شمال قطاع غزة، تسكن ألفت أبو فخر (45 عامًا)، وقد عادت هذه السيدة لمنزلها المتضرر بشكل كبير قبل أيام فقط بعد انسحاب قوات الاحتلال من المنطقة.

قبل أيام، أرسلت ألفت ابنها محمد إلى دوّار الصاروخ بشارع الجلاء لشراء جرام واحد من ما بات يسميه السكان بـ"سكر اللوز". اشترى الصبي الجرام وعاد إلى أمه فرحًا كونه سيتناول شيئًا محلّى.

تخبرنا ألفت، التي اشتهرت بحبها الشديد للسكر، أنها ظلّت صامدة لأكثر من أربعة شهور دون تناول أي شيء محلّى بالسكر، وفي لحظة قررت أن تتناول كأسًا من الشاي المحلّى وتضع عليه أوراق النعنع الطازج، تقول ألفت: "كنت قد سمعت من نسوة الحي عن محلّي سكر اللوز وأنه جيد كبديل للسكر، وعندما وفّرت عشرين شيقلًا عجّلت لشراء جرام واحد منه".

لم يكن المذاق تمامًا كالسكر، لكنه أعاد تلك السيدة الغزّية إلى المذاق الحلو الذي حُرمت منه، حتى أنها غضّت طرفها عن الأوجاع التي تسبّب بها تناول هذا المحلي لأبنائها، تقول: "أصاب بعض أبنائي مغص وإسهال بعد تناوله مباشرة، لكني لا أنوي استخدامه بشكل متواصل، سأستخدم ما تبقى في صنع حلوى الغريبة لهم".

عندما ذهبنا شرقًا عن بيت ألفت، وتحديدًا إلى سوق الصحابة، الذي أصبح سوقًا رئيسيًا خلال الحرب لسكان شرق القطاع النازحين، تحدّثنا إلى التاجر نضال الذي يُكنّى بـ"أبو أحمد". يقول نضال إن المحليات المتوافرة في السوق كانت موجودة من قبل اندلاع الحرب على غزة وتستخدمها المصانع في إنتاج العصائر والمشروبات وأصناف من الحلويات، ثم بدأ الناس باستخدامها مع اشتداد أزمة انقطاع السكر.

يجلس نضال داخل محله الصغير القريب من "السدرة" الأثرية التي تقع في حي الدرج بمدينة غزة القديمة. وقد قرر هذا التاجر بيع المحليات مؤخرًا لخلق حركة تجارية داخل محله، ويوضح لنا أنه قبل عرض المنتج جرّب استخدامه لعائلته بعدما قرأ كثيرًا عن كونه آمنًا ما دام يُستخدم بطريقة صحيحة، ثم تعلّم كم يُحلّي الجرام الواحد وبدأ يخبر زبائنه ويستخدمه هو في صناعة حلوى "السد العالي" (المارينج) و"المارشميلو" داخل محله.

يقول لنا: "الإقبال على المحليات كبير جدًا في الفترة الأخيرة، ويتناسب طرديًا مع ارتفاع أسعار السكر الذي يدخل فقط عن طريق المساعدات".

أضرار متعددة

بغضّ النظر عن المكوّن لهذه المُحليات الصناعية، فإن العامل المشترك بين جميع المحليات في السوق أنها "مضرّة بالصحة"، وهي عبارة عن مُحلٍ صناعي إمّا عديم السعرات الحرارية أو مُخفّض السعرات الحرارية، ومعظم المتوفر في الأسواق عديم السعرات الحرارية.

يعود ما سبق إلى خبير التغذية والتثقيف الصحي هشام حسونة الذي تحدّث إلى "الترا فلسطين" عن خطورة المحليات التي يستخدمها سكان غزة الآن، ويعدّد حسونة أضرار هذه المحليات على المدى القصير، فيقول إنه كما هو مُثبت علميًا، تسبب هذه المحليات النزلات المعوية من الغثيان، والتقيؤ، والإسهال، وأحيانًا شعورًا بالهزال الشديد. أما أضرارها على المدى الطويل فالمحليات تسبب الكبد الدهني، أو ما يُعرف بارتشاح الأمعاء، وهي حالة تؤدي لاحقًا إلى سوء امتصاص الجسم للفيتامينات والأملاح والمعادن المهمة لجسم الإنسان داخل الأمعاء الدقيقة.

كما أن المُحليات الصناعية تسبب زيادة الوزن كونها لها علاقة بزيادة الشهية. ويعقّب بالقول: "في نهاية المطاف، سيؤدي استخدام المحليات إلى اضطرابات هرمونية، خصوصًا عند النساء، وما يتعلق بالدورة الشهرية من ناحية عدم انتظامها أو تأخرها".

وفيما يتعلق باستخدام المضادات الحيوية كأطعمة وتحلية، يبيّن حسونة أنه بالإضافة إلى احتمالات التسمم العالية، فإن جهاز المناعة يُخزّن هذه المضادات الحيوية، وعندما يمرض الشخص سيعاني من مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، خاصة الفئات الهشّة كالأطفال، والمرضى، والسيدات الحوامل، أو كبار السن.

محليات غزة بلا هوية

بشكل عام، تُصنّف المحليات الصناعية أنها آمنة للاستخدام البشري ضمن المدخول اليومي المقبول (ADI)، وهناك بعضها تم حظره سابقًا للشكوك بعلاقته بمرض السرطان مثل السيكلامات، ثم أُعيد السماح باستخدامه بعد عدم ثبوت العلاقة.

تحدّث "الترا فلسطين" إلى رئيس قسم الطب الوقائي في وزارة الصحة بغزة رائد زعرب، الذي أوضح أن معظم المحليات الصناعية لا تُهضم بالجهاز الهضمي ولا تُمتص من قبل الجسم إلا بكميات قليلة، حيث إن أغلبها يُفرز مع البراز، وما يتبقى يُمتص ويدخل الدم ليفرز بالبول. 

ويضيف: "ما عدا محلّي الأسبارتام الذي يتحلل بالأمعاء إلى أحماض أمينية، من ضمنها الحمض الأميني الفينيل ألانين"، ويستدرك: "وهنا مكمن الخطر، حيث إنه يُحظر على مرضى (PKU) الفينيل كيتون يوريا استخدام أو تناول الأسبارتام لأنه يسبب ارتفاع نسبة الحمض الأميني الفينيل ألانين، وهذا الحمض يؤثر سلبًا على تطور الدماغ ويسبب تلف الأعصاب وتخلّفًا عقليًا وتأخر نمو ومشاكل سلوكية".

ويشدد زعرب على أن الخطر الأساسي يكمن في عدم المعرفة الدقيقة بنوع المحلي الصناعي، وبالتالي لا نستطيع معرفة حدود المدخول اليومي المسموح به، لأنه يختلف من محلٍ صناعي لآخر، فمثلًا سكر السكرالوز الحد المسموح به 15 ملجم لكل كيلوجرام من وزن الجسم يوميًا.

المحليات المتوافرة في السوق كانت موجودة من قبل اندلاع الحرب على غزة وتستخدمها المصانع في إنتاج العصائر والمشروبات وأصناف من الحلويات، ثم بدأ الناس باستخدامها مع اشتداد أزمة انقطاع السكر

وما يزال زعرب يعدد مخاطر المحليات، فيقول إن هناك خطرًا يكمن في كون بعض المحليات مخلوطة بمركبات أخرى مجهولة ورخيصة الثمن لزيادة الوزن فقط، ويوضح: "في ظل تدمير مختبرات فحص الأغذية بوزارة الصحة ومختبرات الجامعات المحلية، يتعذر تحديد نوع المحلي الصناعي بدقة".

وينصح زعرب سكان غزة بتجنب شراء أي منتج لا يحمل بطاقة بيان واضحة تتضمن اسم المادة ومكوناتها وبلد الصنع أو اسم الشركة التي قامت بصناعتها أو تعبئتها، وكذلك تجنب شراء البضائع المعروضة في الشمس لأنها ستكون عرضة للفساد وقد يتغير تركيبها لتصبح ضارّة بالصحة.