بيسان

من خيام الجوع في غزة.. المجاعة تتصاعد

المصدر تقارير
من خيام الجوع في غزة.. المجاعة تتصاعد
مدلين خالد خلة

مدلين خالد خلة

صحفية من غزة

لم يتناول أبناء ابتسام معروف السبعة الطعام منذ يومين، كان آخر ذلك طبق بسيط من العدس بعدما تمكنت من شراء نصف كيلو من أحد الباعة. ولا تجد أمامها الآن سوى الماء الممزوج بالملح للحفاظ على معدتهم من التعفن ومنح أجسادهم قليلًا من التوازن، في ظل بلوغ الأزمة الغذائية في غزة مستويات حادة.

قالت وهي تجلس في إحدى الخيام بعدما دمر الاحتلال منزلها في مخيم جباليا: "لا أستطيع إرسال أبنائي إلى  زيكيم أو مناطق توزيع المساعدات الأميركية رغم سوء وضعنا وعدم توافر الطعام، فأنا أخشى أن أفجع بموت أحدهم". 

قطاع غزة يواجه مرحلة غير مسبوقة من المجاعة، بسبب استخدام الاحتلال سلاحي التجويع وعسكرة المساعدات الإنسانية

وأكملت لـ "الترا فلسطين"، "أصبحت المعيلة الوحيدة لعائلتي بعدما أصيب زوجي  بكسر في قدمه واضطراره لاحقًا إلى زرع بعض صفائح البلاتين، وذلك خلال ذهابه إلى مصائد الموت الأميركية لجلب الطعام، حيث سقط بسبب التدافع، وهو الآن يرقد على سرير العلاج".

في السياق، روت البائعة أماني الشندغلي، "توقفنا عن البيع منذ أربعة أيام بسبب نفاد السلع، ولم نتذوق الطعام منذ أسبوع كامل، كنا نعيش على قوت يومنا، واليوم لا طعام ولا عمل". 

وتابعت في حديثها لـ"الترا فلسطين": "لم نوقد نارًا منذ أكثر من أسبوع، ولم يبقَ لدينا شيء نأكله، لا أستطيع إرسال أبنائي نحو مصائد الموت الأميركية، فأكبرهم لم يبلغ بعد 12 عامًا، ويعاني والدهم من زيادة في شحنات الكهرباء ولا يستطيع الذهاب هناك".

تتضاعف فصول المعاناة في قطاع غزة، مع تفشي المجاعة وبلوغها مستويات حادة، ورغم محاولة الاحتلال، أمام المشاهد الصعبة من غزة، الادعاء بإدخال شاحنات المساعدات وعودة عمليات الإنزال الجوي، إلّا أن المجاعة ما تزال مستمرة، وما دخل القطاع من مساعدات، أقل مما يعلن، وأقل بكثير مما يحتاجه أهله، فلا شيء هنا سوى أجساد أنهكها الجوع، يتساقطون أرضًا فاقدين الوعي، ويعانون من الإجهاد والإعياء الشديدين بفعل المجاعة وسوء التغذية.

88 طفلًا توفوا جراء  المجاعة وسوء التغذية في غزة

في السياق، قالت وزارة الصحة في غزة، يوم الإثنين، إن مستشفيات قطاع غزة سجّلت 14 حالة وفاة جديدة خلال الـ24 ساعة الماضية نتيجة المجاعة وسوء التغذية، ليصبح العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية  147 حالة وفاة، من بينهم 88 طفلًا. كذلك أصبح "الموت البطيء" يهدد أكثر من 40 ألف طفل دون عمر العام، نتيجة الحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال، ومنع وصول المواد الغذائية والطبية الأساسية، وفي مقدّمتها حليب الرضّع، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

في الشأن ذاته، أكد المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر، أن ما يحدث من مجاعة هو نتيجة سلسلة من الممارسات الإسرائيلية، بدأت بإغلاق المعابر منذ بدء الحرب ومنع دخول البضائع، حتى خلال الهدنة القصيرة التي استمرت أقل من شهرين، لم يتم إدخال ما يسدّ العجز.

وأضاف لـ "الترا فلسطين" أن، "قطاع غزة يحتاج يوميًا إلى 800 شاحنة، لكن ما دخل فعليًا لم يتجاوز 5% من الاحتياجات، وبالتالي كان هناك شحّ حاد، أدى لاحقًا إلى اختفاء تام للبضائع".

وأشار أبو قمر إلى الوصول لمرحلة المجاعة الكاملة، حيث عمد الاحتلال إلى إحداث تشوه اقتصادي عبر تعطيش السوق من السلع وإغراقه بأخرى خلال فترات معينة. لافتًا إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وهذا نتيجة لحالة المجاعة.

وألقى كثيرًا من اللوم على الاتحاد الأوروبي، بسبب تصريحاته أكثر من مرة بنيته إدخال مساعدات، ما خلق وهمًا لدى الناس، وأدى إلى حالة من الارتخاء واستنزاف كل المتوفر.

ويرى أبو قمر أن الحل الوحيد لإنقاذ ما تبقى من المجاعة هو فتح المعابر فورًا ودون قيد أو شرط، وإدخال كافة السلع والخدمات من خلال السوق الحر، لا عبر معايير سياسية، مشيرًا إلى  أن ـ95% من الأسر تعتمد بالكامل على المساعدات.

من جانبه، أكد  رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) صلاح عبد العاطي، أن قطاع غزة يواجه مرحلة غير مسبوقة من المجاعة، بسبب استخدام الاحتلال سلاحي التجويع وعسكرة المساعدات الإنسانية. مضيفًا أن "التجويع والحصار والتعطيش وعمليات القتل الجماعي والتهجير القسري للسكان، ما هو إلا جزء من خطة منهجية تهدف لجعل القطاع منطقة منكوبة غير صالحة للحياة".

وفي يوم أمس، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن ما دخل إلى قطاع غزة من مساعدات لا يتعدى 87 شاحنة، تعرضت غالبيتها للنهب والسّرقة نتيجة حالة الفوضى التي يُكرّسها الاحتلال الإسرائيلي بشكل منهجي.

وأوضح المكتب أن عملية الإنزال الجوي التي نُفذت اليوم كانت محدودة للغاية، ولم تتجاوز حمولتها نصف شاحنة، وسقطت في مناطق قتال حمراء شرقي حي التفاح ومحيط جباليا، حيث تنتشر قوات الاحتلال، ما يجعل الوصول إليها من قبل المدنيين مستحيلًا.

وأشار البيان إلى تطور خطير في تعامل الاحتلال مع المساعدات، حيث رفض بداية إدخال الشاحنات، ثم استهدف بنيرانه المباشرة نقاط تأمينها التابعة للعشائر والعائلات الفلسطينية، ما أدى إلى استشهاد 11 من عناصر التأمين.

وبحسب المكتب الإعلامي، فتح الاحتلال الطريق أمام الشاحنات بعد تأكده من قتل عناصر التأمين، لتقع المساعدات في قبضة عصابات إجرامية تعمل تحت حمايته المباشرة عبر الطائرات المسيرة وإطلاق الرصاص الحي نحو المدنيين.

وأكد المكتب أن ما يجري في غزة هو نموذج ممنهج تسعى من خلاله إسرائيل إلى هندسة المجاعة ونشر الفوضى بشكل مدروس، ومنع وصول المساعدات إلى مستودعاتها أو إلى مستحقيها، معتبرًا ذلك جريمة متعمدة ومستمرة بحق المدنيين المحاصرين في قطاع غزة.