بيسان

يوسف الزق.. ميلادٌ في زنزانة ونهاية حرية تحت نيران الحرب

المصدر تقارير
يوسف الزق.. ميلادٌ في زنزانة ونهاية حرية تحت نيران الحرب
مدلين خالد خلة

مدلين خالد خلة

صحفية من غزة

في ممر طويل بمجمع الشفاء الطبي، تجثو الأم على جثمان صغيرها تتحسّس جبينه، هامسة في أذنه، وربما مستذكرة مسار الولادة من سجون الاحتلال إلى الاستشهاد في حرب الإبادة المفروضة على قطاع غزة منذ 21 شهرًا. هذه كانت فاطمة الزق، الأسيرة المحررة، في وداع نجلها يوسف الزق، الذي وُلد في السجون الإسرائيلية، وعاشها معها فترة الاعتقال في طفولته، حتى تحررها.

قال ابن عم الشهيد يوسف الزق لـ"الترا فلسطين": "عند ساعات فجر السبت، هزّ العمارة التي نزحنا إليها انفجار عنيف.. توجهنا ناحية الشقة التي استُهدفت فصُدمنا حين وجدنا يوسف مُلقى على الأرض"

لم يكن وداع يوسف الزق عاديًا، بل كان نهاية حياة استثنائية وُلدت بالأسر وأُعلنت نهايتها بين نيران الحرب وتحت قصف استهدف شقة نزوح العائلة في شارع الثورة في مدينة غزة. سبعة عشر عامًا، عُمر يوسف ليلة استشهاده، اختُزلت في جنباتها حكاية بدأت حينما اكتشفت الأسيرة المحررة فاطمة الزق حملها داخل سجون الاحتلال.

يوسف، كان هذا هو الاسم الذي اختارته الأم لصغيرها، استوحت به حكاية الصبر والظلم ونهاية الحزن في سجن النبي يوسف، لتتحقق حريته وحرية والدته، لكنه لم ينجُ من الحرب، ليُعلن استشهاده في ساعات فجر السبت الماضي، بعدما استهدف قصف إسرائيلي شقة عائلته في مدينة غزة، ليطوي فصول حياته التي كُتبت أولى سطورها داخل سجن، وخُتمت تحت ركام منزل مدمّر وطفولة مهدورة.

وقال ابن عم الشهيد يوسف الزق لـ"الترا فلسطين": "عند ساعات فجر السبت الماضي، هزّ العمارة التي نزحنا إليها انفجار عنيف، فهربنا بسرعة من الطوابق العليا وسط اللهب والدخان"، ويضيف: "توجهنا ناحية الشقة التي استُهدفت بالقصف، فصُدمنا حين وجدنا يوسف مُلقى على الأرض، وقد مزّق الصاروخ جزءًا من رأسه وجسده".

يوسف الزق.. ميلادٌ في زنزانة ونهاية حرية تحت نيران الحرب

وتابع في حديثه لـ"الترا فلسطين": "كان منظر يوسف وهو مغطى بدمائه ولا يبدي أي حركة صدمة للجميع لم نكن نتوقع حدوثها"، مضيفًا: "قمنا بحمله وتوجهنا مباشرة إلى مستشفى الشفاء، وهناك أخبرنا الأطباء بأنه استشهد".

احتضنت الأم صغيرها كما كانت قبل 17 عامًا، في سجون الاحتلال، وطبعت قبلة على جبينه وهي تبكيه بحرقة وتردد: "الله يرضى عليك يما.. الله يرحمك يا شهيد.. عريس الجنة يا روحي".

وأردف ابن عم الشهيد: "لقد كان يوسف حالة استثنائية لوالدته، كانت تعتبره رفيق دربها في أحلك أوقاتها، لم تكن محبتها له عادية، دائمًا ما كانت تقول، يوسف شاركني السجن وانتصر عليه، وما حد قدر يعمل مثل يوسف".

ويشير إلى أن الغارة التي استهدفت شقة العائلة أسفرت عن استشهاد ابن شقيقة يوسف "تميم أبو العطا"، وإصابة 7 آخرين بجراح متفاوتة، بينهم أطفال.

وأكد أن جميع من كان في العمارة كانوا نيامًا، وجميعهم مدنيون لا يملكون سوى جوعهم وقهر وخذلان طالهم على مدار عامين منذ بدء الحرب.

ويضيف: "لقد فقدنا باستشهاد يوسف ضحكة كانت تلازم شفاه العائلة، صوتًا حنونًا كان يُطبطب على كل حزين، لقد كان استثنائيًا في كل شيء، يبدو أن قسوة ما عاشه في مهده داخل أسوار السجن جبلت فيه من الطيبة ما لم يملكه أحد".

ويعود إلى يوسف، الذي كبر تحت الحروب في قطاع غزة، ويقول: "يوسف كان طموحًا، يحب العلم والرياضة، وكان محبوبًا من الجميع، لا يُرفض له طلب، ولا يرفض لأحد شيئًا، تجده في مواطن الشدة رجلًا لا طفلًا، لم يكن عاديًا أبدًا".

وفي 20 أيار/مايو 2007، اعتقلت إسرائيل فاطمة الزق (56 عامًا) أثناء خروجها من قطاع غزة للعلاج، ولم تكن تعلم آنذاك أنها تحمل في أحشائها جنينًا سيشاركها الأسر، لتكتشف حملها وهي خلف القضبان، وحينها بدأ فصل جديد من المعاناة، أن تُنجب، وتُرضع، وتبكي، وتربّي في زنزانة ضيقة.

عامان من القهر رافقتا فاطمة ووليدها، ليأتي ذلك اليوم الذي تعانق فيه الحرية بيد وتحتضن صغيرها باليد الأخرى، عندما خرجا معًا عام 2009 ضمن صفقة تبادل بين الفصائل في غزة والاحتلال الإسرائيلي، بموجب اتفاقية يقدم فيها الاحتلال مقطع فيديو للجندي جلعاد شاليط، ويفرج في المقابل عن 19 أسيرة، من بينهن الزق وطفلها، الذي خرج دون صور توثق طفولته الأولى، تُقدّم مواساة لفاطمة بعد استشهاده.