على بسطة صغيرة أمام مدرسةٍ تحولت لمركز نزوح، تقف الطفلة ميار عسلية (11 عامًا) محاولة شراء "كيس" مكمل غذائي أحمر اللون، غير أن ما تملكه من نقود لا يكفي لشراء ذلك "الكيس"، ما اضطرها لمفاوضة البائع الذي لم يكن سوى طفلٍ يكبرها بعامين أو ثلاثة حتى وافق على بيعها إياه بعد إلحاح كبير منها.
المكملات الغذائية تُقسَّم إلى صنفين، الأول منها هو الغذاء العلاجي الجاهز للأكل، مخصص للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد المتوسط أو الشديد، أما الثاني فيقع تحت مظلة المثبتات الغذائية، ويوصف للأطفال من 6 شهور إلى 5 سنوات، وللنساء الحوامل والمرضعات
تسير الطفلة الصغيرة فرحة بما غنمته تحدث أقرانها بأنها استطاعت الحصول على "كيس" من المكمل الغذائي بأقل من سعره الذي يباع في الأسواق، تركض بأقصى سرعة لديها لتشاركه مع إخوانها بعد وقت طويل لم يتذوقوا فيه أي نوعٍ من الحلويات أو المكملات الغذائية.
"ما في أي نوع أكل صحي او فواكه أو خضار، حتى الحلويات والسكاكر معدومة بالسوق، وعندما نعرف أن سعر المكمل الغذائي انخفض شيكل أو اثنين بنجمع ثمن كيس وبنشتريه حتى نعوض نقص الفيتامينات في أجسامنا" تقول الطفلة عسلية.
يتجاوز سعر "كيس" المكملات الغذائية الـ10 شواقل، ولا يكفي لإشباع طفل واحد فقط. وتقول ميار عسلية: "عانت أختي الصغرى من ضعف عام وهزال شديد وعندما فحصها الطبيب وجد أنها تعاني من سوء التغذية، ووصف لها نوعًا من المكملات الغذائية يحمل اللون الأصفر على أن تتناول كيسًا واحد يوميًا كحد أدنى".
وتبين أن عائلتها لم تستطع أن توفر المكمل الغذائي لشقيقتها الصغرى بسبب ارتفاع ثمنه، فقررت وباقي أشقائها المساعدة في توفيره بإدخار مصروفهم اليومي على ثلاثة أيام وشراء "كيس" مكمل غذائي لأختهم الصغرى.
وقالت: "بسمع كتير عن أطفال ماتوا بسبب سوء التغذية، معقول يصير بأختي هيك؟ أختي صغيرة وما بتتحمل الوجع وقلة الأكل والتغذية السيئة".
وفي غرفة صغيرة،داخل أحد مراكز الإيواء، تجلس الأم إيمان أبو النور محتضنة طفلتها (عام ونصف) التي لا يتجاوز وزنها 9 كيلو غرامات، وتعاني من سوء تغذية، وعلى يمينها طفلها الآخر (عامين ونصف) ويعاني من تكسر في صفائح الدم الحمراء. تشتكي إيمان من وجع أطفالها الذي لا تجد له علاجًا سوى بعض أكياس المكمل الغذائي باللونين الأحمر والأصفر، التي تقول إنها "لا تسمن ولا تغني عن الطعام العادي الذي يحتوي على العناصر الغذائية التي يحتاجها جسدي صغيريها".
وتضيف أبو النور: "لا يمكن اعتبار هذه المكملات الغذائية وجبات طعام تقي الأطفال من سوء التغذية والأمراض الأخرى، ولا تغنيهم أيضًا عن حليب الأطفال، واستخدام الأطفال له مجرد استهلاك فقط لا غير دون أي فائدة تذكر".
وتؤكد وكالة "الأونروا" أن الجوع يتفاقم في غزة والناس يغمى عليهم في الشوارع من شدة الجوع، مشددة أن نظام توزيع المساعدات الحالي في غزة أهان عائلات جائعة وخائفة ومنهكة وجرّدها من إنسانيتها، كما أن الطعام والدواء نفدت من قطاع غزة.
ويوضح أخصائي التغذية، محمد منصور، أن المكملات الغذائية تُقسَّم إلى صنفين، الأول منها هو الغذاء العلاجي الجاهز للأكل، ويُميَّز باللون الأحمر، ويحتوي كل كيس منه على 50 سعرة حرارية، مبينًا هذا الصنف مخصص للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد المتوسط أو الشديد، ويوصف ضمن المتابعة الأسبوعية للمرضى وتحت إشراف المختصين.
أما النوع الثاني، الذي يُميَّز باللون الأصفر، فيوضح محمد منصور أنه يقع تحت مظلة المثبتات الغذائية، ويوصف للأطفال من 6 شهور إلى 5 سنوات، وللسيدات الحوامل والمرضعات، بهدف الوقاية من سوء التغذية وسط انعدام الأمن الغذائي الذي يعاني منه الفلسطينيون في قطاع غزة.
وبيَّن منصور أنه في حالة سوء التغذية فإن الأطباء يركزون على الفئات الأكثر تضررًا من سوء التغذية مثل الأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل والمرضعات، مشددًا على ضرورة الترشيد في استخدام هذه المكملات لتعطي الاحتياج اليومي دون حدوث مضاعفات مثل التلبكات المعوية وموجات الإسهال والحساسية.
وأضاف أن هذه المكملات بشتى أنواعها تحتوي على توليفة من العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم سواء للأطفال أو البالغين، "وربما توفر الحد الأدنى مما يحتاجه الجسم من عناصر غذائية، إلا أنه لا يمكن اعتبارها بديلاً عن الأغذية والأطعمة العادية التي يجب تناولها وبشدة في حالات سوء التغذية، ولا تتوافر حاليًّا بسبب إغلاق الاحتلال للمعابر مع القطاع".
وأشار إلى أن تغيرات قد تظهر على الطفل عند تناول المكمل الغذائي نتيجة الحساسية تجاه أحد مكوناته، مثل الحكة والبثور على الجلد، "وفي هذه الحالة يجب على العائلة وقفه والتوجه إلى أقرب نقطة طبية لتقديم العلاج المناسب".
وبحسب تصريح سابق لمنظمة الصحة العالمية، فإن "المكملات الغذائية لا تُعد بديلًا عن الغذاء الحقيقي، بل هي مساعدة داعمة في بيئات غذائية متكاملة، لا في مناطق تجويع".
منظمة الصحة العالمية: "المكملات الغذائية لا تُعد بديلًا عن الغذاء الحقيقي، بل هي مساعدة داعمة في بيئات غذائية متكاملة، لا في مناطق تجويع"
وفي منتصف شهر حزيران/يونيو الماضي، كشف رئيس قسم الأطفال والولادة في مستشفى ناصر، أحمد الفرا، أن قطاع غزة مُقبل على "كارثة صحية" نتيجة نفاد حليب الأطفال، سواءً العادي أو العلاجي، مؤكدًا، في حديث لـ الترا فلسطين، أن المستشفيات تعاني من انعدام كامل لهذه الأصناف.
لاحقًا، أكدت وزارة الصحة أن حليب الأطفال لا يتوافر في الأسواق فعلاً، والاحتلال يمنع دخوله بشكل شبه كامل، وأنها سجلت حالات توزيع عبوات منتهية الصلاحية من هذا الحليب في السوق السوداء.
وأشارت وزارة الصحة لانعدام اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض، نتيجة منع إدخالها منذ مطلع شهر آذار/مارس الماضي، إضافة لانقطاع البيض من السوق، إلى جانب شح الخضار الطازجة في السوق مع القيود على إدخالها من الخارج وإنتاجها محليًّا، وكذلك منع إدخال الفواكه بشكل كامل.