بيسان

مرضى وجرحى غزة أسرى للألم والموت البطيء نتيجة انعدام العلاج

المصدر تقارير
مرضى وجرحى غزة أسرى للألم والموت البطيء نتيجة انعدام العلاج
سفيان نايف الشوربجي

سفيان نايف الشوربجي

صحفي فلسطيني مستقل من قطاع غزة، مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي، حاصل على درجة...

على أحد أسرة مستشفى ناصر الطبي جنوب قطاع غزة، ترقد أُلفت الغفري التي تعاني من سرطان الغدة الدرقية منتظرة دورها لإجراء بعض الفحوصات الطبية اللازمة بعد أن ظهرت على جسدها بعض الكتل والأورام الجديدة. 

يهدد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، حياة أكثر من 100 ألف جريح حرب، وكذلك 350 ألف مريض من أصحاب الأمراض المزمنة

ورغم حالتها الصحية الصعبة؛ تكبَّدت ألفت الغفري عناء الطريق قادمة من غزة إلى خانيونس، حيث مستشفى ناصر الذي يُعد من المستشفيات المعدودة التي مازالت قادرة جزئيًّا على توفير الخدمة الطبية لمرضى السرطان في قطاع غزة.

وشخَّص الأطباء إصابة أُلفت الغفري بسرطان الغدة الدرقية قبل ثلاث سنوات، وخضعت لعدة عمليات جراحية حيث تم استئصال جزء من الغدة، ولكن بعد فترة هاجم المرض مرة أخرى جسدها وأصبحت بحاجة إلى استئصال الجزء المتبقي، لتجد نفسها مجبرة على خوض رحلة معاناة قاسية مع واقع صحي يفتقر إلى أبسط مقومات العلاج والرعاية الصحية.

عالقون بين الموت والحياة

والمريضة الغفري مثل آلاف المصابين بالسرطان في غزة، توقفت رحلاتهم العلاجية بسبب تدمير الاحتلال للمنشآت الصحية، وعلى رأسها مستشفى الصداقة التركي - الفلسطيني في غزة، الذي كان يعد المركز الوحيد المختص بتقديم العلاج الكيماوي والاهتمام بمرضى السرطان في قطاع غزة. 

إثر ذلك، قرر الأطباء للغفري تحويلة للعلاج خارج غزة لإجراء عملية استئصال جديدة وإكمال العلاج الإشعاعي، لكن إغلاق المعابر ومنع الاحتلال الإسرائيلي المرضى والجرحى من السفر يحول دون ذلك. 

وتقول ألفت الغفري بصوتٍ منهك: "كل يوم يمر وأنا في قطاع غزة تزداد حالتي خطورة، فقد أخبرني الأطباء أنني بحاجة عاجلة إلى علاج إشعاعي وهو لا يتوفر في قطاع غزة في الوقت الحالي"، مشيرة إلى أنها تعاني من آلام شديدة في جسدها لا تمكنها من النوم طيلة الليل، "حتى المسكنات التي تخفف جزءًا بسيط من الألم، هي الأخرى غير متوفرة" أضافت. 

وتكمل "اضطررت للاستعانة ببعض المسكنات منتهية الصلاحية بعد اشتداد الألم وعدم وجود المسكنات في الصيدليات رغم علمي بخطورتها وعدم فعاليتها". 

وتؤكد وكالة الأونروا أن أكثر من ثلث الإمدادات الطبية الأساسية نفدت من قطاع غزة، نتيجة إغلاق المعابر بالكامل منذ 2 آذار/مارس.

"أسرى الألم"

ويجلس المريض خالد البشيتي في قسم غسيل الكلى بمجمع ناصر الطبي، ينتظر دوره على جهاز غسيل الكلى للمرة الثانية في الأسبوع، حيث تبدو علامات التعب الشديد على وجهه، فهو يعاني من فشل كلوي يستلزم إجراء ثلاث عمليات غسيل أسبوعيًا خشية تدهور حالته الصحية.

ويجد المريض البشيتي (48 عامًا) صعوبة في الحديث بسبب آلآم المرض من جهة والإرهاق الشديد من جهة أخرى، جراء السير على قدميه مسافة طويلة من مواصى خانيونس التي ينزح فيها إلى المستشفى. يقول: "كنا نغسل الكلى ثلاث مرات في الأسبوع، وكل جلسة مدتها 6 ساعات، ولكن اليوم مع الأوضاع الصعبة وتكدس المرضى في المستشفيات، أصبحنا نغسل مرتين، وكل جلسة مدتها 3 ساعات فقط". 

ولم تعد الأدوية التي يحتاجها البشيتي لتساعده على تكسير الدم الذي يتلقاه خلال جلسات غسل الكلى متوفرة في المستشفيات أو الصيدليات، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية تدريجيًا، بسبب مشكلات الدم الناتجة عن عدم حصوله على الأدوية التي تساعد في تنظيم حالته. ويضيف: "انعدام الأدوية الخاصة بمرضى الكلى يعرضهم إلى مضاعفات صحية تشكل خطرًا كبيرًا على حياتهم".

ويشير خالد البشيتي إلى انعدام الكهرباء والمياه العذبة اللازمة لعملية الغسيل الكلوي، وكذلك الغذاء السليم،"ولم يعد أمامنا سوى تناول البقوليات التي تؤدي لارتفاع وظائف الكلى وتراكم السموم، ما ينعكس على صحتنا بشكل سلبي". 

ويهدد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، حياة أكثر من 100 ألف جريح حرب، وكذلك 350 ألف مريض من أصحاب الأمراض المزمنة، ويضعهم في خطر التعرض لمضاعفات صحية خطيرة، بعد أن نفدت غالبية أصناف الأدوية، من المستشفيات والعيادات الطبية التابعة للأونروا.

وعلى مدار شهور الحرب الـ19، دمرت إسرائيل 34 مستشفى من أصل 38، منها حكومية وأهلية، تاركة 4 مستشفيات فقط تعمل بقدرة محدودة رغم تضررها، وسط نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية، بحسب آخر إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة.

كما أخرجت الغارات الإسرائيلية 80 مركزًا صحيًا عن الخدمة بشكل كامل، إلى جانب تدمير 162 مؤسسة طبية أخرى.

موت بطيء

أما الطفلة شام أبو الروس (عام ونصف) فلم تحتمل تداعيات نقص العلاج والمستهلكات الطبية في المستشفيات، فاستُشهدت جراء إصابتها في البطن، بعدما قصف طائرات الاحتلال خيام النازحين في مواصي خانيونس، لتلتحق بوالدها الذي كان قد استُشهد في الغارة، كما أصيبت والدتها بشظية في البطن تسببت بإجهاض جنينها.

شام أبو الروس

وإثر إصابتها خرجت أجزاء من أحشاء الطفلة شام إلى الخارج، بقيت على إثرها في غرفة العناية المركزة في مستشفى ناصر 10 أيام، حيث خضعت لعدة عمليات جراحية من أجل إنقاذها وإبقائها على قيد الحياة، لكن دون جدوى.

ويقول أحمد أبو الروس، جدُّ الطفلة شام، إن الأطباء اضطروا لقص واستئصال 90 سم من الأمعاء، ولم يعد بالإمكان استكمال علاجها في المستشفيات التي تعاني نقصًا شديدًا في المستلزمات الطبية والأدوية. ويضيف أنه في كل يوم مرَّ كان الوضع الصحي لشام يزداد سوءًا بسبب حاجتها إلى عدة عمليات جراحية معقدة لا يمكن إجراؤها في غزة، نظرًا لانعدام المقومات الصحية، قبل أن ينتهي الأمر باستشهاد شام نتيجة حرمانها من السفر للعلاج.

وكان أحمد أبو الروس، الجد السبعيني قد أصيب هو الآخر في الغارة ذاتها التي أصيبت فيها حفيدته شام، ومازال يعاني من تبعات إصابته وسط انعدام العلاج، فيقول: "لا أستطيع النوم في الكثير من الأيام، فأنا أحتاج إلى عدة عمليات جراحية لإخراج بعض الشظايا المتبقية أسفل الحوض، ولكن بسبب قلة الإمكانيات المتاحة تم تأجيلها لوقت لاحق، حيث يبقى المصاب أسير لجروحه وآلامه". 

ويضيف: "الصيدليات أصبحت شبه خالية من الأدوية بسبب منع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية، وما يتوفر من الأدوية سعره مضاعفًا ويصعب علينا شراؤه". 

عجز حاد 

ويؤكد الطبيب ذكري أبو قمر، القائم بأعمال مدير عام الصيدلة في وزارة الصحة بغزة، أن أكثر من 37 بالمئة من أصناف الأدوية والعلاجات الطبية أصبح رصيدها "صفر"، فيما وصلت نسبة العجز في المستهلكات الطبية إلى 59 في المئة، بعد نفاد 597 صنفًا من أصل 1006 من الأصناف المتداولة. 

وبيَّن الطبيب أبو قمر لـ الترا فلسطين، أن نسبة العجز في خدمة القسطرة القلبية وجراحة القلب وصلت إلى 99 في المئة، بينما بلغت نسبة العجز 87  في المئة من المستلزمات الخاصة بجراحة العظام، كما نفد 40 في المئة من أدوية مرضى الرعاية الأولية، و45 في المئة من أدوية الكلى والغسيل الدموي.

وأوضح أبو قمر، فقد احتلت أدوية السرطان وأمراض الدم المرتبة الأولى ضمن قائمة الأدوية المفقودة، حيث بلغت الأدوية الصفرية منها 54 في المئة، مضيفًا أن هذه العلاجات تعطى ضمن برتوكول علاجي يضم من 3 إلى 4 أصناف، وفقدان أي صنف منها يجعل البرتوكول غير قابل للتطبيق.

أما المرتبة الثانية ضمن قائمة الأدوية المفقودة، وفقًا لأبو قمر، فهي أدوية صحة الأم والطفل، التي بلغت نسبة العجز فيها 51 في المئة،  تليها المطاعيم بنسبة 42 في المئة.

ويشير أبو قمر إلى أن أدوية العمليات مثل أدوية التخدير والعناية المركزة وأقسام الطوارئ في المستشفيات تعمل ضمن أرصدة مستنزفة لمستويات غير مسبوقة، بسبب الأعداد الضخمة من الشهداء والمصابين، "وهذا ينذر بحدوث كارثة صحية تشكل تهديدًا مباشرًا لاستمرار تقديم الخدمات العلاجية في أقسام الطواري والجراحات، مما يعرّض حياة العديد من المرضى والجرحى للخطر".

 احتلت أدوية السرطان وأمراض الدم المرتبة الأولى ضمن قائمة الأدوية المفقودة، يليها أدوية صحة الأم والطفل، أما أدوية التخدير والعناية المركزة فتعمل ضمن أرصدة مستنزفة لمستويات غير مسبوقة

ويضيف ذكري أبو قمر، أن استمرار النقص الحاد في الأدوية والمضادات الحيوية والمسكنات، وكثير من الأدوية اللازمة لمرضى الكلى وأصحاب الأمراض المزمنة، يشكل خطرًا حقيقيًا على حياتهم، مؤكدًا أن أصنافًا أخرى من قائمة الأدوية الأساسية مهددة بالنفاد قريبًا، ما يعني ارتفاع مستويات العجز.

وأكد وجود نقص حاد في علاجات حساسية الأطفال، وكذلك أدوية أمراض العظام والمفاصل والتشنجات، والمغذيات والفيتامينات الخاصة بالرضع، والحليب العلاجي للأطفال، مبينًا أن هناك 500 حالة مرضية بحاجة إلى الحليب العلاجي التخصصي، وعدم توفره يسبب لهم إعاقات ذهنية، بالإضافة إلى الاعاقات الجسدية التي تسبب خللاً في النمو.

وأشار ذكري أبو قمر إلى أن أقسام الطوارئ في المستشفيات يتعاملون مع الحالات الطارئة، بينما يتم تأجيل العمليات المجدولة لحين إدخال الأدوية والمستهلكات الطبية، مطالبًا المؤسسات الطبية الدولية باتخاذ جميع الإجراءات والضغط على إسرائيل لإدخال الإمدادات الطبية اللازمة لإنقاذ حياة المرضى في ظل العجز الحاد.