بيسان

بابور الكاز يعود إلى غزة: الحرب تُحيي أدوات الزمن المنسي

المصدر تقارير
بابور الكاز يعود إلى غزة: الحرب تُحيي أدوات الزمن المنسي
ميرفت عوف

ميرفت عوف

صحفية من فلسطين

"عدنا إلى العهد القديم"؛ هكذا يصف سكان غزة حياتهم اليوميّة تحت نيران الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي أجبرتهم على العودة لاستخدام أدوات كان يُظن أنّها انقرضت من الذاكرة.

بسبب الحصار ومنع الوقود، عاد الغزيون لاستخدام "بابور الكاز" والفوانيس التقليدية في الطهي والإنارة، في مشهد يعيد الحياة إلى أدوات الزمن القديم 

ومع منع دخول غاز الطهي ضمن سياسات الحصار الإسرائيلي، لجأ الناس في غزة إلى أدوات بدائية لإعداد الطعام، بدءًا من الحطب المجمّع من تحت الركام، وصولًا إلى "الكانون"، وأخيرًا العودة لاستخدام "بابور الكاز" والفوانيس النحاسية للإنارة، وكأن الزمن عاد عقودًا إلى الوراء.

"البابور".. نار صمود لا تنطفئ

سوما الشوبكي (55 عامًا)، تجلس أمام بابورها النحاسي تغلي القهوة وتعد "طبخة اليوم". رغم رائحة السولار المزعجة وصوت البابور العالي، تقول: "أهون من دخان الحطب اللي خنقني وتعب عيوني".

اشترى زوجها البابور لها، فاستعادت ذاكرتها لتشغيله، واليوم تُعلّم الجيران طريقة استعماله. وخلال رحلة نزوحها جنوب القطاع، كانت مهمة إعداد الطعام بمثابة تحدٍ يومي: ساعات طويلة لجمع الحطب، وإشعال النار، وغالبًا ما كان الطعام لا ينضج.

بابور الكاز
بابور الكاز

زوجها أبو شادي، يسترجع ذكرياته الطفولية: "كانت أمي تضع البابور في الحمام، تحمينا وتحمّمنا. كان دفؤه يحمل لحظات سكون، واليوم يعيد تلك اللحظات رغم وجع الحرب".

من تحت الأنقاض.. يولد اللهب

في مخيم المغازي، تخوض عايدة (30 عامًا) مغامرة يوميّة لجمع الحطب بدلاً عن زوجها المريض. تذهب مع نساء الحي لمناطق خطرة قرب الحدود، وأحيانًا لمواقع المساعدات لجمع كرتون الطبخ. تقول: "المهمة شاقة.. والأمل أن تنتهي المعاناة قريبًا".

وتسعى عايدة لشراء بابور خاص بها، لكنها صُدمت بالأسعار: 370 شيقل لبابور مستعمل يحتاج إصلاحًا!

أمّا في مخيم جباليا شمالًا، تقول الحاجة أم أحمد (66 عامًا): "من تحت الأنقاض أخرج أبنائي بابور الكاز الذي ورثته عن أمي. بعد 12 سنة من التخزين، أشعلناه من جديد.. وكان الكاز لا يزال فيه!".

عودة الفانوس.. وورشة إصلاح بابور

في مخيم الشاطئ، فتح أحمد نبهان (34 عامًا) ورشته لتصليح البوتاجاز، لكنّه وجد نفسه اليوم يصلح البوابير بدلًا منها. "بعض الزبائن يقولون إن البابور من ريحة الأجداد، وآخرون اشتروه في حرب 2008"، يقول نبهان، مضيفًا: "السولار المستخدم يُصنّع محليًا من البلاستيك المكرر وسعر اللتر يصل 30 شيقل".

لكن الأسعار المرتفعة لقطع الغيار تُحرجه مع الزبائن. "قطعة لحام واحدة قد تُكلف 40 شيقل، وسعر بعض القطع فاق كل التوقعات"، يقول.

من داخل ورشة في مخيم الشاطئ، لإصلاح البوابير
من داخل ورشة في مخيم الشاطئ، لإصلاح البوابير

وبجوار ورشته، يبيع الشاب إبراهيم الفوانيس النحاسية. "الناس عادوا للفانوس لأنه أرخص من شحن بطاريات الطاقة الشمسية، ولا توجد كشافات تُدخل إلى غزة حاليًا"، يقول.

ورشة لإصلاح بوابير الكاز القديمة