بيسان

ألمٌ ونكتة.. صوت السّاخرين في زمن الحرب

المصدر تقارير
ألمٌ ونكتة.. صوت السّاخرين في زمن الحرب
ميرفت عوف

ميرفت عوف

صحفية من فلسطين

في غزّة، حيث الحرب مستمرّة، ورائحة الموت في كلّ مكان، وتُقاس الحياة بلحظاتٍ بين القصف والدمار، يبدو الحديث عن "الفكاهة" ضربًا من الجنون. لكنّ الحرب، بكلّ قسوتها، لم تستطع قتل روح السخرية لدى أبناء غزة الذين صنعوا مفارقة لافتة؛ كوميديا ساخرة، تقول للعالم: "نحن هُنا، ونضحك أيضًا".

صنّاع محتوى من غزّة استطاعوا تحويل الألم إلى ضحكة، واستخدموا السخرية كوسيلة للتعبير عن الصمود والمقاومة النفسية خلال الحرب الإسرائيليّة

اختار "مؤثرون" غزّاويون وصنّاع محتوى أن يواجهوا الرصاص والقذائف والدمار، بالضحك، وحوّلوا المأساة إلى ضحكة تُعرّي الواقع وتُحيي الأمل، واستخدموا السخرية كوسيلة للتعبير عن الصمود والمقاومة النفسية خلال الحرب الإسرائيليّة. فكيف نجحوا في خلق فنّهم وسط الدمار؟

أبو سمير - عوّامة
أبو سمير - "عوامة"

أبو سمير.. "عوّامة" 

على ظهر عربة "توك توك"، يتكئ سامر العامودي الناشط الغزي الشهير بـ "أبو سمير" عائدًا إلى جنوب غزة، وبينما يُظهر كادر التصوير مشهدًا صعبًا لحركة الغزيين عبر طريق البحر "نتساريم"، حسب ما فرضه الاحتلال الإسرائيلي خلال اتفاق المرحلة الأولى لإنهاء الحرب الذي سمح بعودة النازحين إلى شمال غزة في يناير الماضي، يطل ابو سمير كعادته ضاحكا ساخرا من هذا الواقع.

عرف سكان قطاع غزة ابو سمير كمقدِّم محتوى ساخر قبل الحرب، لكن الرجل الذي يعمل ممرضًا، نالت منه الحرب، فهُدم بيته واستشهد أقارب له. رغم ذلك يظهر "أبو سمير" في مقاطع فيديو، تارةً يتحدث عن الأسرى الإسرائيليين في غزة بلهجة محليّة، ومرّةً عن النزوح ومشقّته، وفي أحيان عن الجوع والفقر، ويتحدّث أيضًا عن انتصارات صغيرة على ظروف الحرب.

على موقع "فيسبوك" يحظى أبو سمير بمتابعة نحو 700 ألف شخص. يضحك، ويُضحك الغزيين على أوجاعهم، وسط كمٍ هائل من محتوى الدم والدمار في حرب غزة.

أحمد جمعة.. المعاناة بقالب فكاهي!

أحمد جمعة.. المعاناة بقالب فكاهي!

بوجه كوميديّ محترف، يظهر صانع المحتوى أحمد جمعة (24 عامًا) على صفحته في انستغرام التي يتابعها أكثر من 1.3 مليون شخص. مئات الفيديوهات السّاخرة، تعدّى بعضها 8 مليون مشاهدة.

في غالب الأحيان، يقدّم محتواه المُضحك دون أن يضحك. مرّة مع عصفور يريد أن "ينتحر" على سلك الكهرباء بغزة ويمنعه السكان. 

حاول افتتاح مشروع "بطاطا مقلية" غير أنّه فشل، لأنّه لم يجد مقلاة في النزوح، بسبب الحرب.

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎ahmed jomaa‎‏ (@‏‎2jomaa‎‏)‎‏

بالعودة إلى الوراء، كان أحمد يتواجد كصانع محتوى ساخر قبل الحرب، لكنّه ركّز خلالها أكثر على نوعية المحتوى الذي ينشره. 

تراه اليوم يتنقّل بين الغزيين، باحثًا عن أفكار لفيديوهاته، تارةً يمثل أنّه يشتري سيارة تعرضت للقصف، واستُبدل فيها مقعد السائق بمقعد بلاستيكي، وتارة يفسد على شقيقه الصغير "حسام" مشروعه لبيع "البراد الغزاوي"، وفي مقطع ثالث يسخر من حمّام منزله الذي جعله القصف الإسرائيلي بلا جدران.

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎ahmed jomaa‎‏ (@‏‎2jomaa‎‏)‎‏

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎ahmed jomaa‎‏ (@‏‎2jomaa‎‏)‎‏

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎ahmed jomaa‎‏ (@‏‎2jomaa‎‏)‎‏

عاش أحمد تجربة نزوح صعبة؛ ويعرف متابعوه جيّدًا تفاصيل البيت الذي سكنه بعد نزوحه من رفح، وكثيرًا ما تناول في مقاطع الفيديو زخّات المطر التي تساقطت عليه ومرافقه المعدمة من الأساسيات.

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎ahmed jomaa‎‏ (@‏‎2jomaa‎‏)‎‏

يقول أحمد وهو طالب توقّف عن متابعة سنته الجامعيّة الأخيرة في "تكنولوجيا المعلومات": شكّل خروجنا من رفح تحت القصف صدمة لي، وخلال لحظات وجدت نفسي نازحًا بلا خيارات، لقد عشنا في خيمة وهي التجربة الأسوأ لكل نازح.

ويضيف: "مع ذلك أؤمن أن عليّ تقديم محتوى ساخر يهوّن ما عشناه ونعايشه في الحرب، وسنعيشه بعدها".

كاظم رضوان
كاظم رضوان

كاظم رضوان و"السخرية الذكية"

قبل الحرب بخمسة أشهر فقط، بدأ كاظم رضوان (36 عامًا) بتقديم محتوى اجتماعي، لكن مع اندلاع الحرب وبالأخص بعد تجربة اعتقاله لدى الاحتلال الإسرائيلي لنحو شهر، قرر تغيير نوع المحتوى الذي يقدّمه، واختار أن يقدم محتوى ساخرًا، رغم إدراكه أنّ الأمر ليس سهلًا.

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Kazim Redwan‎‏ (@‏‎kazimredwan‎‏)‎‏

يقول كاظم لـ "الترا فلسطين" إنّ مراعاة مشاعر الناس المكلومة والمجروحة في غزة، وإضحاكهم في نفس الوقت ودون إهانة مشاعرهم "أمر صعب". ويشير إلى أنّه يتحاشى في مقاطع الفيديو التي ينشرها، تناول قضايا يرى أنّها حسّاسة، مثل حرق الخيام وأكل الحيوانات لجثامين الشهداء. 

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Kazim Redwan‎‏ (@‏‎kazimredwan‎‏)‎‏

يعمل كاظم بإمكانيات محدودة للغاية، يمتلك هاتفًا محمولًا يشحنه بالطاقة الشمسية، ومثبّتًا بلاستيكيًا يستخدمه في التصوير وغيره. يقول إنّ الخطر كان يحدّق به ومساعديه مرارًا أثناء التصوير. 

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Kazim Redwan‎‏ (@‏‎kazimredwan‎‏)‎‏

ويقول إنّ أكثر ما ينغّص عليه هو محاربة شركة "ميتا" لمحتواه، فكثيرًا ما تم تقييد صفحاته على شبكات التواصل الاجتماعي، بسبب منشورات ساخرة ينتقد فيه الوضع السياسي، ويقول بأسلوبه الساخر: "راحت نص الحرب وأنا آخذ تقييدات".

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Kazim Redwan‎‏ (@‏‎kazimredwan‎‏)‎‏

عبد الحميد عوكل

عبد الحميد عوكل.. "بتاخد عشرات؟!"

ما إن يمر مجموعة شبّان بجانب مقدّم المحتوى الساخر عبد الحميد عوكل حتى ينادونه بالعامية: "بتاخد عشرات؟"، وهي جملة تناولها عوكل كثيرًا في فيديوهاته، منتقدًا رفض التجّار التعامل بفئة (10 شواقل) خلال الحرب على غزة.

الشاب عوكل (23 عامًا) بدأ تقديم المحتوى الساخر في أوّل شهرين من الحرب، بعد أن وجد نفسه نازحًا من شمال القطاع لجنوبه، وعاجزًا عن الالتحاق بخطيبته نحو مصر، لحاجته لثمن "التنسيق" والذي بلغ حينها خمسة آلاف دولار.

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎عبود عوكل‎‏ (@‏‎abood_okall‎‏)‎‏

في تلك الظروف، فكّر "عبود عوكل" بالبحث عن مصدر رزق يتناسب مع شخصيته ودراسته الإعلام في جامعة الأقصى بغزة. يقول إنّ صديقه اقترح عليه بأن يفتتح بسطة بضائع، وحاول إقناعه بأنّ هذا هو مصير الخريجين في هذه الحرب، ومن هنا فكّر في تناول هذا الحال الصعب بطريقة ساخرة، كما يقول.

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎عبود عوكل‎‏ (@‏‎abood_okall‎‏)‎‏

باكورة إنتاج عبود من "الكوميديا السوداء" كما يسميها، تصوير فيديو يمثل فيه بأنّه صاحب بسطة، يقول عبود لـ "الترا فلسطين" إنه اختار أن يزاحم المحتوى الكثيف للحرب على غزة، بمحتوى ساخر بغية التخفيف عن الناس.

ويضيف: صار كل شيء موجعًا.. "موت وخربان ديار" كما يقول المثل الشعبي، وهنا جاء دور الكوميديا لتخفيف الضغوط النفسية"، كما يقول. 

سار عبود بين الناس في أماكن النزوح ينتقى أفكاره من كل حركة ومشهد ومسمع حوله، وتمكّن من تقديم محتوى يستقطب الجمهور، حتى وصل أكثر من 170 ألف متابع.

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎عبود عوكل‎‏ (@‏‎abood_okall‎‏)‎‏

اختار "عبود" أن يظهر في بداية كل فيديو بوجهه الحقيقي، ثم يستخدم شخصية كاريكاتورية يظهر فيها برأس أكبر من حجمه، ويُرجع عبود سبب استخدامه لهذا "الفلتر" للدلالة على قناعاته بأن "الغزاوي" شخص عنيد في رأيه. ومن أبرز مقاطع الفيديو التي نشرها، ولاقت رواجًا فيديو "وقت النوم" الذي تناول فيه معاناة الغزيين مع النوم في أيام الحرب.

أطفال يشاركون أيضًا

"عرفته من وجه الفرشة" بابتسامة عريضة قالت صانعة المحتوى الساخر الفتاة تالا عليان جملتها تلك، وذلك خلال رحلة بحثها عن منزلها المهدم وسط حي كامل سويّ بالأرض. الفتاة التي ذهبت لتفقّد منزلها مباشرة بعد عودتها من جنوب غزة واصلت السخرية وهي تسحب متعلقاتها من وسط الأنقاض "هذه بلوزتي والله.. هذا بنطال جدتي.. بيوت الحارة كلها واقعة على بيتنا".

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎تالا محمد‎‏ (@‏‎tala.ealiyan‎‏)‎‏

تالا واحدة من الفتيات اللواتي قدّمن محتوى ساخر طيلة الحرب، بهدف التعبير عن الواقع الصعب والتحديات اليومية التي عاشتها الفلسطينيات تحت وطأة آلة الحرب الإسرائيلية.

ومن بين من حققت مقاطعهم انتشارًا واسعًا الفتى محمود موسى، الذي قدّم مع شقيقه أمير مقاطع تمثيلية ساخرة، ويلاحظ المتابع لصفحتهما على انستغرام أنهما تناولا موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الداعي إلى تهجير سكان غزة. 

عرض هذا المنشور على Instagram

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎محمود موسى‎‏ (@‏‎mahmoud_mosa13‎‏)‎‏

 

اقرأ/ي أيضًا: 

نوبة ضحك وطنية

الموت كما لو كان نكتة

التصعيد بغزة.. النكتة سيّدة الموقف!